أطفال سورية الأذكياء
ابن أخي الذي بلغ الثالثة قبل أيام يحب برامج الأطفال كثيراً، يستيقظ صباحاً على قنواته التلفزيونية المفضلة ويحفظ أغنية جديدة كل يوم، إحداها عن السلحفاة البطيئة التي هزمت الأرنب المغرور، وثانية عن الطفل المشاكس الذي أحرق بيته وهو يلعب بأعواد الثقاب، والكثير.. لكن ابن أخي صار يعرف أن برامج الأطفال بأغنياتها وصورها اللامعة الجذابة ليست متاحة له دائماً، فكل شيء بيد السيدة الكهرباء، هي من تسمح أو لا تسمح له بالاستمتاع. والجميل في الأمر أنه لم يعد يبكي حين تقطع الكهرباء، بل صار يردد(انقطعت الكهربا) بخيبة، ثم يتسلى ببعض ألعابه بانتظار أن يصرخ ويصفق معنا ومع أهل الحي (إجت الكهرباااااااا).
أما ابن أختي الأصغر الذي تجاوز الرابعة، فلا يقل عناداً عن الأرانب الذين اتفقوا ضد الثعلب الماكر وانتصروا، ويحب اللعب في الحدائق ويهوى التمرغ على الأعشاب وتسلق الأشجار مثل ماوكلي فتى الغابة، لكنه ذهب ذات مرة مع أمه وإخوته وبعض الجيران إلى الحديقة القريبة من البيت لملاقاة بعض الأطفال ممن يملكون الهوى نفسه، فإذا بالحديقة صارت استثماراً ولا يمكن الدخول إليها إلا لقاء مبلغ 200 ليرة للشخص الواحد. ولأن أختي لا تملك رفاهية دفع هذا المبلغ الرخيص لأولادها الأربعة وجاراتها كذلك، فقد انسحبن من أمام باب الحديقة وكل واحدة تجرّ أولادها كأذيال هزيمة. ابن أختي بكى ورجا أمه وأسمع كل الحي احتجاجه وأمه تحاول إسكاته باللين والعنف. لكنه بعد أن فرّغ طاقة الرفض كاملة اقتنع بأن الشجرة الوحيدة قرب بيته تصلح أن تكون حديقة كاملة، فصار يتسلقها عشرات المرات في الساعة.
أما ابنة أختي التي ستبلغ الخامسة قريباً فتذكرنا بليلى السريعة التي كنا نشاهدها في طفولتنا، ومعظمنا يذكر أنها ملكت موهبة الجري السريع وفازت في مسابقات كثيرة ونالت الجوائز، ويبدو أن ابنة أختي تحب لبنى من دون أن تعرفها وتريد منافستها، لذلك اتخذت من البيت الصغير المكون من غرفتين مسرحاً لحركتها، تستيقظ صباحاً على هدف واحد هو أن تجري في البيت جيئة وذهاباً، مرددة أغنية حفظتها عن إحدى قنوات الأطفال(أنا مليت من البيت) والمسكينة أمها تصفق لها من جهة وتعتذر من الجيران الذين يسكنون الطابق الأسفل من جهة، دون أن تتمكن من أخذ ابنتها إلى حديقة قريبة أو إطلاقها إلى الحارة العشوائية التي تسكن فيها، والواقعة على بعد حارات من حي ساخن لا يتوقف عن رمي القذائف العشوائية كلما حلا له الترفيه عن ضائقة.
ربما يكون الأجمل من بين الأطفال هو ابن صديقتي الذي بات يعتقد أنه المسؤول عن أمه الشابة في غياب أبيه الأبدي، وهو لما يبلغ الثامنة بعد، وتراه متعلقاً بذيل ثوبها حيناً ومتقدماً إياها حيناً وحاضناً رأسها كلما رآها حزينة. هذا الطفل يحب أن يشاهد (غلينديزر) ومازال يصدق أن باستطاعته هو شخصياً وأمه وجميع الأصدقاء الطيبين أن ينشروا الخير ويحققوا السلام لكل الشعوب المستضعفة ولكل الأمهات.