المرأة أولى لبنات النهضة

إن تضافر الجهود واستجابة القوى البشرية المعدّة في المجتمع عامة إلى العمل، تستحيل به طرداً إلى التقدم والنمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ككل، ومع الوقت تستدرك حالة العجز والتخلف بتحقيق أعلى درجات المنفعة والإشباع والعدالة في مجتمع الدولة عامة، وبغير ذلك وإذا طويت المسؤولية عن مورد من موارد الدولة، أو جزء من أجزاء تكوينها ذوي القيمة الايجابية، فهذا يعني المزيد من التخبط في قربة فارغة والدوران في حلقة مقفلة، بطابع من الغوص بالوحل، والاضمحلال في المكان.

فاستغلال الطاقات البشرية أمر لا يقل أهمية عن استغلال الموارد وثروات الطاقة بل ويفوقها لضمان ماهية المستقبل. إذاً يبقى الإنسان قيمة لكل القيم وغاية تُنال به كل الغايات، فتناول القدرات البشرية وتنميتها، ثم دفعها في المضمار الصحيح أمر لا يحتمل الشك في إيجابية مردوده المطلقة، وكي لا نطيل السرد في المثاليات، سنسلط الضوء على حجر الأساس في ركن النهضة (الإنسان) وأولى لبنات بنائه (المرأة) تلك التي أمست في الحقل والبيت والمدرسة والجامعة وميدان الحرب وأروقة السياسة تحيط بكل ما تقف عليه وتثمر في كل ما تشغله.

ولكن جدير بالذكر أن حداً أدنى من الاهتمام لم تنله النساء في المفهوم الكلي للمجتمع، فتفاوت شاسع في الرعاية، محكوم مرة بأحكام ديموغرافية وأخرى بقيود أيديولوجية موروثة لا تتأثر لإحلال وإبدال، فمازالت تجعل من أكثرية نسبية نسائية بلا جدوى، فعقدة المجتمع تجاه المرأة لدينا لم تفك أو تُحَل بعد، وخوارزمية مساواتها بالرجل ومساواة الرجل بالرجل ومساواة المرأة بالمرأة لم تعدم حدوداً ديموغرافية أو إثنية أو جغرافية على حد كبير، فنحن ما زلنا في مستنقع من التصديق والوهم، ومفهوم متخبط عن الحقوق، هو نسبي بمقدار ما نلتقط من الواجب رغبة منا في أدائه، فالمرأة السورية الثكلى، وأتحدث بصفة عامة وبالحد الأعلى بلا سند قانوني صارم، ولا أولوية واضحة ولا هوية إنسانية تكون بعدها معادلة لنساء المجتمع المُتحضّر والمتقدم، فبعض الوجوه والأسماء لا تختصر الأمم، فالأمم عظيمة بكل من فيها وليس ببعض من تنتقي، حال المرأة صورة عن حال المكون الذي تنتمي إليه ودليل ناصع على خلاصة ما تديره من عقول، وهذا الاستقراء مؤشر صادق بدءاً من أدنى التكوّنات إلى أعلاها، أرملة أو ثيب، متزوجة أو مطلقة، عاملة أم ربة منزل فسوف تؤثر بما تعكس ممّا في حالها على كل ما تمس أو تشغل، فإهمال المرأة هو إهمال مستقبل العقل والأخلاق، والقوة، ولا أجد أن في ما ننتظر ولا في الحاضر والماضي ما يُغيّر النفوس والواقع للأفضل إلاّ إعداد والاهتمام لمن بها تطيب الأعراق، وترتقي الشعوب.

 

العدد 1140 - 22/01/2025