قضايا المرأة والسياسة كلٌّ لا يتجزأ

حين نتناول حضور المرأة في السياسة، نتذكّر أو يُقال لنا إن هناك قضايا أخرى ربما أكثر حضوراً وإلحاحاً في حياة المرأة لم تُحلُّ إشكالياتها بعد.

صحيح أن غالبية قضايا المرأة وحقوقها لا تزال عالقة في مجتمعاتنا، لكنها جميعها إن أمعنّا النظر فيها لا تنفصل بحال من الأحوال عن السياسة التي ما زالت حتى وقتنا الراهن حكراً على الرجال رغم هذا الاندماج المُستتر. ولا شكّ أن احتكار الرجل للسياسة دون المرأة يعود لأسباب مجتمعية، ولأسباب أخرى تتعلق بالمرأة ذاتها وموقفها من السياسة عموماً.

فمجتمعاتنا العربية والإسلامية عموماً تمتلك منظوراً للمرأة لا تحيد عنه، بحكم التقاليد والقيم والمفاهيم المجتمعية السائدة، إضافة إلى الموروث الديني المُستمد من النص المقدّس والتشريع والمذاهب الفقهية المختلفة، التي اتفقت جميعها على تبعية المرأة للرجل في مختلف مناحي الحياة انطلاقاً من فهمٍ سائد لقاعدة (الرجال قوّامون على النساء) التي تتفق معهم فيها حتى الأحزاب السياسية وأنظمة الحكم الطاغي عليها نظرة ذكورية- بطريركية تجاه وجود المرأة فيها، فحتى الأحزاب العلمانية التي تنادي بحقوق المرأة ما زال حضور المرأة فيها مجرد ديكور أو بريستيج يتوافق وتلك الشعارات لا أكثر ولا أقلّ، والأخطر نظرة بعض القيادات إليها على أنها لا يمكن أن تُبدي رأياً أو موقفاً سياسياً مجدياً.

غير أن للمرأة ذاتها موقفاً لا يقلّ أهمية عن المواقف المجتمعية آنفة الذكر، فهي غالباً لا ترى في نفسها القدرة على الانخراط في هذا المجال، بحكم ضلوعها بمسؤوليات وقضايا أخرى تقع في صلب تكوينها واختصاصاتها أُمّاً وزوجة وربّة منزل، لذا لا يمكنها الانشغال أو الاشتغال بقضايا قد تؤثّر تأثيراً سلبياً في تلك المهام من جهة، وفي وضعها كأنثى من جهة أخرى، مُعتبرة أن السياسة تحرق هذه الأنوثة وتشوهها.

كما لا يمكننا أيضاً إغفال تقلّص الحياة السياسية وانكماشها في بلداننا، واندحار تأثيرها في المجتمع وتطوّره، لأسباب تتعلق بالديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان حتى غدت السياسة بنظر الغالبية نشاطاً ترَفيّاً لا تنشده إلاّ الفئات الراغبة بالوصول إلى مناصب أو مكاسب مستقبلية. فبسبب غياب الديمقراطية وعدم التعامل وفق مبدأ المواطنة الحقّة، لم يعد هناك من حرية حقيقية للعمل السياسي، للجنسين معاً، وانطلاقاً من ذلك، واجهت النساء المشتغلات فعلاً في مضمار السياسة أنواعاً شتى من الممارسات المؤذية لهن اجتماعياً وإنسانياً، والتي قامت بها الأجهزة الأمنية والسياسية في عموم الأنظمة، بدءاً من التسريح من العمل إذا كانت المرأة عاملة، وليس انتهاءً بالتشهير بأخلاقها وسلوكياتها من خلال استخدام أساليب قذرة في هذا المجال، إضافة إلى الاعتقال كلما استدعى الأمر.

إن كل هذه الأمور والأسباب مجتمعة دفعت بالمرأة إلى الابتعاد عن هذا الميدان، لاسيما بعد ما تعرّضت له العديد من الناشطات في الحقل السياسي والحقوقي خلال التطورات والأزمات التي طالت المجتمعات العربية، وهذا بالتالي ما دفع البعض منهن إلى الانكفاء والتراجع عن المشاركة حفاظاً على ما تبقى لهنّ من كرامة مهدورة في ظلّ أنظمة سياسية واجتماعية قاهرة. لكنه في الوقت ذاته دفع بالبعض منهن إلى الإصرار والاستمرار والمضي قدماً في محاولة تأكيد ضرورة حضورهن الفاعل في كل ما يتعرض له المجتمع من تحوّلات وتغييرات تستدعي مشاركة الجنسين معاً، من أجل الارتقاء بالحياة وإنسانية الإنسان.

العدد 1140 - 22/01/2025