حنين نمر في ندوة حول فكرة التقدم

حنين نمر في ندوة حول فكرة التقدم :لا تقدم دون حامل إيديولوجي لمواجهة الهجوم الإمبريالي

 أقام المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي، الاثنين الفائت، ندوة تحت عنوان (فكرة التقدم ومآلاتها السياسية والاجتماعية والفكرية) في دار البعث بدمشق، وذلك بحضور عدد من مديري المؤسسات الإعلامية والمثقفين والمهتمين بالشأن السياسي والثقافي والإعلاميين.

وأوضح مدير عام دار البعث، عبد اللطيف عمران، في كلمته في افتتاح الندوة أن (فكرة التقدم هي نظير فكرة العقلانية والعلمية والحداثة بنزعتها الإنسانية، وهي على المحور الأفقي وليست على محور الزمن، وهو ما كان محل خلاف من العديد من المفكرين عبر مراحل التاريخ).

وأضاف عمران إن (مفهوم التقدّم ليس إشكالياً من حيث المصطلح فقط، بل هو إشكالي من حيث الفكرة، والظروف الراهنة أضفت عليه المزيد من الإشكالية)، موضحاً أن (هناك فرقاً بين التقدّم والتقدمية، فالتقدّم يمكن أن يكون صناعياً أو علمياً ويؤدي إلى حروب ودمار، أما التقدمية فهي رؤية مقترنة بالنزعة الإنسانية، وبالعلمية، وبغياب الميتافيزيقيا).

وتناول الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد، حنين نمر، فكرة التقدّم من منطلق سياسي إيديولوجي ماركسي، واختصره بالحديث عن الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية ومنعكساته على حضور الأحزاب اليسارية والتقدمية في المنطقة والعالم.

ورأى نمر، أن (أحد بواعث الأزمة الحالية في سورية، هو أننا لم نتمكّن من تكوين تيار تقدمي يستند إلى أحدث ما أوجده الفكر البشري من نظريات وتحليلات).

وأضاف نمر إنه (لا يمكن أن يكون هناك تقدم دون وجود حامل إيديولوجي في مواجهة أخطر هجوم إمبريالي رجعي في العالم)، لافتاً إلى أن الإمبريالية تحاول بكل ما تملكه من قوى إعادة ترسيخ عوامل التخلف والرجعية والجهالة التي وصلت إلى درجة الوحشية، مستغلة غياب وجود تيار تقدمي عريض في المنطقة يستند إلى أحدث ما توصل إليه الفكر البشري).

وتابع نمر إن (الحديث عن التقدم يأتي في سياق صحيح عندما نربط مسألة التقدم بتاريخ نشأتها، ونربطه بالعوامل التي أوجدت أو شجعت هذا المفهوم على أن يطرح على بساط بحث، وهذا يرتبط ارتباطاً وثيقاً مع الواقع الميداني مع المهمات الحياتية والمعيشية التي تهم البلد، ولا يمكن الإغراق في البحث المجرد لموضوع التقدم، بل يجب أن يترافق مع انعكاساته الواقعية على الأرض).

وأشار نمر إلى تاريخ نشأة الرأسمالية بين القرن السادس عشر والثامن عشر بقوله: يمكن اعتبار أنه من القرن الثامن عشر فصاعداً نشأت الرأسمالية، ولكن هذه الانطلاقة الثورية الصناعية الكبرى في تلك القرون تتميز بوصف يختلف عن الوضع الاقتصادي الذي كان قبلها).

وأضاف نمر: (بعد الثورة الصناعية أخذت مفاهيم التقدم والتطور بعداً وزخماً قوياً إلى الأمام، بمعنى أنه لا يمكن للثورة الصناعية أو أدوات التقدم العلمي أن تستدعي مزيداً من التطور والتسريع، وتوفير عوامل النجاح، ولذلك فإن الرأسمالية استدعت البحث عن عوامل تزيد من قوتها وتنمّيها بسرعة أكبر، ومن هنا جاءت الغزوات التي قامت بها الإمبراطوريات الرأسمالية آنذاك، والتي ساهمت بنهب ثروات الشعوب في بلدان العالم الثالث).

ولفت نمر، إلى أن (الرأسمالية في مراكزها الكبرى قد استمدت وجودها من احتلالها للعالم الثالث، أما الاشتراكية فإنها لم تسقط كمبادئ أو كفكر، إنما سقطت كتجربة، ولكنها لا تزال حية في ربع الكرة الأرضية على الأقل)، مضيفاً إن (حوالي نصف البشرية لا تزال تناضل وتطمح لتحقيق الاشتراكية في بلادها بصرف النظر عن تنوع نظرياتها، وليست الحركة الشيوعية فقط من يتبنى شعار الاشتراكية).

وبين الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد، أن (أزمة الرأسمالية في العصر الراهن أزمة حقيقية وقائمة، لكن هذا لا يعني أنها ستنهار غداً)، داعياً إلى البحث عن الأسباب الحقيقية لاستمرار الرأسمالية، وإمكانيات انهيارها بصفة عامة، مقارناً ذلك بالتجربة السوفييتية التي قدمت خلال سبعين عاماً إنجازات فشلت في إنجازها الرأسمالية).

وتطرق عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي ورئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام، الدكتور مهدي دخل الله، إلى علاقة التقدم بالوجود البشري، مؤكداً وجود ارتباط وثيق فيما بينهما، لافتاً إلى أن التقدم يرتكز على ثلاثة أركان هي المفهوم والأهداف ومشكلة قياس التقدم.

وأشار دخل الله، إلى أن مفهوم التقدم ينطلق من الخيال أكثر من الواقع، وهو مفهوم لا يعترف بالتناقضات ولا يعترف أيضاً بالاضطراب، وهو مفهوم نسبي بالضرورة.

وركّز دخل الله على ثلاث نقاط وهي مفهوم التقدم وأهدافه ومعاييره، بقوله: إن (التقدّم بشكل عام معناه الاعتقاد بأن الواقع الحالي يجب أن يتحوّل إلى واقع أفضل، لكن هذا الواقع الأفضل للأسف افتراضي)، موضحاً أن (المشكلة تكمن في أننا نتحدث عن فكرة مسبقة يجب أن نصل إليها، أي المجتمع التفضيلي الذي يجب أن نتقدم إليه، وهذه من أكبر المشاكل، أي أن التقدّم ينطلق من الخيال أكثر مما ينطلق من الواقع).

وحول أهداف التقدّم، قال دخل الله: (من يستطيع أن يثبت أن القرن العشرين أفضل من القرن الخامس عشر؟)، متسائلاً عن كيفية الاتجاه نحو شيء نختلف عليه، موضحاً (هل نقيس التقدّم على أساس تقدّم العلم، أم على أساس تقدّم سعادة الإنسان).

وتابع دخل الله: إن (التكنولوجيا تقدّمت فعلاً لكن القيم الإنسانية لم تتقدّم، فالحب والكره والانتقام مازال نفسه منذ ما قبل التاريخ)، خاتماً مداخلته بالقول: إن (ما يفيدنا في دراسة التقدم، هو علم نظرية المنظومات المعقدة، لأن فيها مفاهيم كالاضطراب والتأثير الراجع وغيرها).

وأشار د. محسن بلال، عضو القيادة القطرية لحزب البعث – رئيس مكتب التعليم العالي، إلى (تجارب الأحزاب في عدد من الدول مثل إيطاليا وفرنسا)، مطالباً بـ (ضرورة دراسة تلك التجارب بجميع المستويات).

ولفت بلال إلى أن (الرسالة التي يجب أن توجه للأجيال القادمة هي كيفية تحصين أنفسهم علمياً، ووضع خطة عملية تقدمية تضمن لهم العيش في ظل معاني الكرامة والوحدة والسيادة، ولاسيما أننا أمام عالم جديد ومتغير)، مشيراً إلى (أهمية التفكير بالسلام الاجتماعي والسلام بين الدول في مواجهة المخططات التي تسعى الإمبريالية الأمريكية لتنفيذها).

وتساءل وزير الإعلام محمد رامز ترجمان (عما قدمه المثقفون والتقدميون والمؤسسات للأجيال الناشئة، وخاصة جيل الشباب الذي يعوّل عليه لبناء سورية المستقبل)، مشيراً إلى أن (وزارة الإعلام تسعى لأن يكون الإعلام السوري إعلاماً وطنياً جامعاً يعمل على زيادة الوعي في المجتمع ونشر الثقافة وتعميق الانتماء الوطني).

وأضاف ترجمان: (إذا أردنا بناء خطاب تقدمي جامع في المستقبل فعلينا التركيز على الشباب)، لافتاً إلى أن (هناك سلطة خامسة تتمثل بسلطة مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يفترض تأطيرها بطريقة مناسبة للحفاظ على الشباب السوري).

العدد 1140 - 22/01/2025