الرقة تحت سيطرة داعش..ثلاث سنوات ونصف.. في بطن الحوت
في البداية لابد من الحديث عن نشوء داعش، فمن المعروف أن الرقة هي المحافظة الأولى التي وقعت تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة التي تندرج تحت عنوان الجيش الحر وجبهة النصرة، إلى أن جرى إعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام، فانقسمت جبهة النصرة إلى قسمين، قسم أعلن المبايعة لأبو بكر البغدادي عن جبهة النصرة، وهو القسم الأكبر، وبقي قسم من هذا التنظيم تحت الاسم نفسه، وبدأت هذه التنظيمات تتصارع على المصالح، بوضع يدها على مؤسسات الدولة والشركات والمعامل والمصارف، وعندما أصبح وجود داعش يشكل خطراً على هذه التنظيمات، تحالفت كل هذه التنظيمات على إخراج داعش من الرقة، وانفجر الصراع بتاريخ 5/1/2014 ، ولكن داعش استطاعت أن تحسم هذا الصراع لصالحها وتخرج كل التنظيمات المسلحة من المدينة، ولاحقاً من ريف المحافظة، وبعد فرضها سيطرتها على المحافظة، بدأت بتطبيق سياستها في حكم المحافظة من خلال عشرات القرارات التي صدرت تباعاً وبالتدريج، وبدأت بفرض ارتداء النقاب على النساء، ومنع التدخين والمتاجرة به، وفرض أشكال وأزياء اللباس على الرجال كذلك، ومنع المرأة من ركوب التاكسي وحدها، ومن ثم منع سفر النساء إلا بمرافقة محرم، إضافة إلى شرط السن لاحقاً، على أن يكون عمرها فوق 45 سنة.
ويمكن أن نلخص بشكل سريع سياسات داعش وممارساتها على النحو التالي:
في مجال التعليم
قامت داعش اعتباراً من الفصل الدراسي الثاني 2014 بإغلاق جميع المدارس وعلى مختلف المستويات، بذريعة أن المنهاج المدرس هو (منهاج كفري)، ومخالف للإسلام، ونظرتهم إلى التعليم أن السوري يقضي ما يقرب من ثلاثين سنة في الدراسة، وبعدها يبدأ في تكوين نفسه، في حين أن المسلم هو في عمر الثالثة عشرة يدخل سوق العمل، وفي سن الخامسة عشرة هو متزوج ورب أسرة. ومن ثم قاموا لاحقاً بوضع منهاج دراسي ذو صبغة دينية، وقاموا بوضع المدارس التي يوجد فيها ملاجئ تحت تصرفهم وقاموا باستئجار شقق عملوا منها مدارس على ثلاثة أفواج، لكل فوج ساعتين يومياً.
إضافة إلى استغلالهم المساجد، ونظراً لعدم تجاوب الكادر التدريسي معهم، قاموا بإعداد معلمين من حملة الشهادة الثانوية بعد إخضاعهم لدورات (شرعية).. ولكن الغالبية من أهل الرقة لم يرسلوا أبناءهم إلى هذه المدارس خوفاً من غرس أفكار داعش في رؤوس أبنائهم، إضافة إلى إخضاع الكادر التدريسي السباق لما يسمى: الاستتابة.
في مجال الزراعة
وضعوا على رأس الجهات المسؤولة عن الزراعة مسؤولين من قبلهم، وقاموا بتحضير كادر من قبلهم وتدريبه ليكون بديلاً للكادر القديم، وقاموا بتحصيل رسوم الري والزكاة، بقرارات صارمة، فمثلاً لا يستطيع صاحب حصادة أن يحصد أي حقل ما لم يكن لدى صاحب الحقل موافقة من داعش، وصاحب الحصادة مسؤول عن إعلامهم بكميات الإنتاج.
في مجال الخدمات
عينوا على رأس كل دائرة خدمية أمير، أي ما يقابل وظيفة المدير، وجرى ربط تسديد فواتير الكهرباء والماء والنظافة والهاتف معاً، وهي تُدفع على شكل مبلغ مقطوع بغض النظر عن الاستهلاك، وكذلك قاموا بتحضير كادر للكهرباء وصرفوا من يمكن الاستغناء عنه من الكادر القديم.. ونظراً لإلغاء الصفر القطري والدولي وانتشار محلات البث الفضائي، قاموا بإغلاق هذه المحلات وفرضوا شروطاً تعجيزية لترخيصها، منها وجود صالتين إحداهما للنساء والأخرى للرجال، وأن لا تقل المساحة عن 50م،2 ووجود كفيلين على أن يكونوا من داعش، إضافة إلى مراقبة المتصلين في هذه الصالات من قبل ما يسمى الأمنيين الذي يحق لهم سحب أي موبايل من يد أي متصل والتحقق من الجهة المتصل بها.
مع نهاية عام 2012 لم تعد تدخل المحافظة أي جريدة، وبعد وقوع المحافظة تحت سيطرة هذه التنظيمات، غابت الكتب عن رفوف المكتبات، وصدرت في البداية نشرات محلية قام بإصدارها بعض الشباب من أهل الرقة، ومع سيطرة داعش غابت هذه النشرات، وحضرت نشرات داعش والكتيبات التي توزعها، وقامت بإصدار نشرة أسبوعية اسمها (النبأ) تنشر فيها أخبار العمليات التي يقومون بها في جميع أنحاء ولاياتهم، وأنشؤوا إذاعة أسموها (البيان)، برامجها دينية، ثم قاموا بمصادرة أجهزة البث التلفزيوني الفضائية في النصف الثاني من عام 2016.
المرجعية الفكرية
إن أفكار داعش تستند إلى أفكار ومؤلفات ابن تيمية وابن القيم وابن الجوزية، وكذلك مؤلفات محمد عبد الوهاب الذي يكفر كل من لا يتفق معه.. ولذلك فإن الكثير من المفاهيم والمبادئ العصرية هي في نظرهم مبادئ كفرية، كالديمقراطية والاشتراكية والرأسمالية والقومية والعلمانية والوطنية، فالدولة لديهم واحدة لا حدود لها، وحيث يوجد مسلمون فهم جزء من الدولة الإسلامية، ولا دين على وجه الأرض سوى الدين الإسلامي.
الصحة
قامت داعش بوضع يدها على المشافي العامة والمراكز الصحية، وصادرت بعض المشافي الخاصة والمختبرات التي هاجر مالكوها، وقامت بإغلاق العيادات النسائية للأطباء الرجال، ومنعت النساء من المعالجة والتداوي في العيادات الرجالية، ولكن اضطروا للتراجع جزئياً عن ذلك، لعدم توفر الاختصاصات الكافية.. وهذا أدى إلى تطفيش الأطباء ولاسيما بعد فرض مبالغ عالية على عياداتهم تحت عنوان الزكاة. وارتفعت أسعار الدواء، وأصبح العلاج مأجوراً في المشافي العامة، وافتتحوا عيادة وصيدلية للطب الشعبي والتداوي بالأعشاب، في حين أن لديهم ما نسميه الضمان الصحي ويستفيد منه فقط عناصرهم وعائلاتهم، ولوحظ إقبالهم الشديد على شراء الأدوية المخدرة والمنشطات الجنسية.
الحسبة
والحسبة هي ما يعرف بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي ظهرت أيام الدولة العباسية، لتصفية الخصوم السياسيين، فهذه الهيئة أساءت لهم من خلال تصرفاتهم اللامسؤولة والتشدد والغلو في تطبيق تعليماتهم، ودوريات هذه مجهزة بسيارات (فان) وتدور في الشوارع وكل مخالف يقومون بوضعه في السيارة، والمخالفات هي: (لحية قصيرة، أزياء رجالية طويلة، لباس نسائي غير مستوفي الشروط، امرأة غير مكشوفة العينين، لباس ضيق.. إلخ)، بل إن الأسوأ من ذلك أن كل عنصر من التنظيم يعتبر نفسه معنياً بتطبيق أنظمتهم وقوانينهم وفقاً لقاعدة الولاء والبراء.
قرارات ألحقت الأذى والضرر بالمواطنين
منها مثلاً منع الموظف والعامل لدى الدولة من السفر لقبض راتبه ومنع المريض من السفر للعلاج خارج الولاية إلا بعد إجراءات طويلة ومعقدة، فعلى المريض أن يكون ناجحاً في إحدى الدورات الشرعية، ولديه تقرير طبي، وأن يرهن لهم ممتلكاته، وفي حالة عدم عودته تصادر من قبلهم. ومن ثم تزويده بجواز سفر واستخدموا برامج الكمبيوتر في هذا المجال.
الموارد المالية المحلية
إضافة إلى آبار النفط التي وقعت تحت سيطرة داعش، فإن فواتير الهاتف الأرضي والكهرباء والماء والنظافة، التي أصبحت تشكل 13 ألف ليرة سورية في مطلع عام 2017 عن كل شهرين، والتقارير الطبية إذ يباع كل تقرير بمبلغ 2000 ل.س ونفقات العلاج بالمشافي والزكاة التي تجمع من المحاصيل الزراعية والمحلات التجارية حتى دون الالتزام بالنصاب الشرعي، إضافة إلى ما يسمى بالغنائم وبيع ممتلكات الدولة من السيارات وقطع الآلات، وتعهيد الأبنية المهدمة لإخراج كميات الحديد الموجود فيها، وبيع المعامل كخردة حديد.
من هي داعش؟!
لقد ظهر في السنتين الأخيرتين بشكل واضح أن أكثر من 70% من عناصر تنظيم داعش هم من المهاجرين العرب والأجانب، ومن كل قارات العالم، ويلاحظ أن قسماً منهم هو صاحب عقيدة يقاتل في سبيل تطبيق الإسلام، وقسماً آخر هو مرتزق يبحث عن الثروة، والقسم الثالث عناصر مخابرات، وتمتلك داعش أجهزة أمنية جندت الأطفال الصغار والنساء وعمال التنظيفات وبعض سائقي التكسي كعناصر مخبرين لديها، ولديهم سجون يجري فيها تعذيب المعتقلين وقتلهم.
هل الرقة بيئة حاضنة لداعش؟
إن الرقة لم تكن بيئة حاضنة ولن تكون، بعدما خبرت داعش وعانت من القهر والإذلال باسم الدين، وإذا كان هناك القليل من الشباب الذين انضموا إلى هذا التنظيم، فغالباً ما يكون ذلك لأسباب مادية، فداعش حلت مشاكل الشباب الجنسية من خلال تسهيل أمور الزواج والمبالغ التي تقدمها للمتزوج نقداً، ومصادرة بيت مؤثث ومفروش، إضافة إلى راتب 100 دولار له و50 دولاراً لزوجته، و35 دولاراً لكل طفل، إضافة إلى نفقات العلاج، وغالباً ما يوضع هؤلاء الشبان من أبناء المحافظة على الخطوط الأولى مما يعني قتلهم، والدواعش يعرفون أن أهل الرقة لا يحبونهم، وقد ظهر ذلك في تصريحات عديدة لهم، ويضربون مثلاً على ذلك هو عدم قبول أهالي الرقة بتزويج بناتهم لـ(المجاهدين).
الغلاء والأسعار
أمام الغلاء الفاحش فإن نظرة داعش إلى الغلاء بأنه ابتلاء من رب العالمين، والأسعار من الله. وثمن الكيلو غرام الواحد من الخبز في الرقة يتراوح بين 235 و250 ليرة، وأسطوانة الغاز ما بين 15000 و 25000 ليرة.
داعش تقرأ هزيمتها
بعد تحرير تدمر وتل أبيض ومنبج وبعض المناطق في العراق عزا أحد الخطباء من داعش أسباب هذه الهزائم إلى: نسيان فضل رب العالمين على مقاتلي الدولة، فلولا هذا الفضل_ حسبما قال_ لما أمكن فتح هذه المساحات الواسعة في بداية نشوء الدولة، وأنهم صاروا ينسبون الفضل لأنفسهم، وصار همّهم الثروة والمناصب وألحقوا الظلم بالعوام، إضافة إلى تقاعس العوام عن الجهاد.
متفرقات
إسناد الخلافة
تسند الخلافة لدى داعش وفق ثلاث طرق:
البيعة- التوصية- بحد السيف، أي بالقوة، وطاعة الخليفة واجبة.
لوحظ تفشي الفساد لدى داعش من خلال الرشا أو هروب من تحت أيديهم أموال، وأكثر العناصر إساءة للناس هم العناصر التوانسة من المهاجرين، وأبناء البلد من السوريين، وداعش لا يطبق مبدأ العين بالعين والسن بالسن، وزادت جرائم السرقات في عهدها بالرغم من قطع الأيادي. وفي حالات قصف الطيران لا يقومون بإسعاف الجرحى من عامة الناس، فمثلاً طبيب مناوب لديهم بالمشفى أصيب خارج المشفى فرفضوا علاجه.
طلب منهم الخليفة في شهر آذار الماضي ترحيل عائلاتهم خارج الرقة كي لا يهربوا من الرقة تحت حجة إبعاد العائلات، وذلك على ضوء هروبهم من منبج والباب.
حتى الأموات لم يسلموا من داعش، فقد قاموا بتحطيم شواهد القبور وتفجير بعض المزارات. وقامت داعش مؤخراً بكسر أقنية الري في المشروع الرائد، وتطويف المحاصيل الزراعية الصيفية والشتوية بالمياه، بذريعة قطع الطريق على تقدم قوات (قسد).
كذلك قامت بتفجير خزانات المياه في معظم القرى قبل انسحابها منها، مما حرم الأهالي من مياه الشرب. في الرقة اليوم جيل من الأطفال والشباب حرموا من التعليم منذ عام 2013 وجرى إغلاق فرع جامعة الفرات بالرقة.
ستورث داعش الكثير من المشاكل للناس الذين خضعوا لسيطرتها، كمسألة الفروغ في المحال التجارية، وإساءة البعض منهم لدرجة أدت إلى قتل آخرين، مما يعني أن هناك دماً وقع بين الناس.
لا بل إن أموال الجوامع لم تسلم من نهبهم، وهم يدّعون أنهم يحاربون الطواغيت، سواء أكانوا أشخاصاً أم معتقدات، ولكنهم يحملون أكبر طاغوت في العالم في محافظهم وهو: الدولار.