خطوة جديدة باتجاه الحل السياسي

 بعد اجتماعات ونقاشات استمرت عدة أيام من الوفود الممثلة في جنيف 4 في إطار الحوار السوري السوري برعاية وإشراف من الأمم المتحدة، أمكن للمجتمعين الوصول إلى نتائج إيجابية فيما يتعلق بتحديد جدول الأعمال الذي يعني تحديد المبادئ الأساسية للحل السياسي وهي: الحوكمة، الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب.. ولم يكن الوصول إلى هذه النتيجة سهلاً، إذ سبقها ورافقها خلافات شديدة بين الوفد الرسمي السوري ووفد المعارضة، انصبت على بند مكافحة الإرهاب الذي سعى وفد المعارضة جاهداً إلى عدم إدراجه في جدول الأعمال، ولكن إصرار الوفد الرسمي السوري على إضافة هذا البند وتأييد جميع الجهات الدولية المشاركة في المؤتمر- باستثناء وفد الرياض الذي انحصر اهتمامه بموضوع انتقال السلطة، أدى إلى إدراجه فعلاً في جدول الأعمال، ليصار إلى بحث جميع النقاط الأربع المشار إليها بشكل متزامن في اجتماعات جنيف، وأستانا القادمة.. وكان ديمستورا قد أعلن عن موعد جديد أولي يقع في النصف الثاني من الشهر الحالي لاستئناف الاجتماعات في جنيف، بعد أن يذهب وفد من المعارضة إلى مدينة أستانا بناء على دعوة الرئيس الروسي بوتين.

وإذا كانت لم تظهر حتى الآن ردود أفعال كثيرة على مجريات جنيف، باستثناء ما صرحت به مصادر روسية أكدت فيها أن المرحلة الأولى لمفاوضات جنيف 4 قد وضعت أساساً صحيحاً للنشاطات السياسية اللاحقة باتجاه إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، إلا أن المتابع يستطيع أن يستنتج بسهولة أن الآمال بالوصول إلى حلول سياسية آمنة للأزمة السورية قد أصبحت الآن أقوى مما كانت عليه في أي وقت مضى.. ولكن لماذا؟

إن عودة سريعة إلى السنوات الست السابقة تشهد أن قوى الإرهاب المدعومة، من دون أدنى شك، من الأوساط الأمريكية والأوربية والتركية والسعودية والقطرية، وحتى الإسرائيلية، قد كان همها الحقيقي تحطيم بنية الدولة السورية ومرتكزاتها الأساسية للحيلولة دون نهوضها حتى بعد عشرات السنين، وهذا (الطموح) الإرهابي الاستعماري يتوافق تماماً مع ما يجري في بعض البلدان العربية التي تعرضت للتخريب والتدمير والتفتيت والتقسيم عبر حروب عدوانية كالتي جرت ضد العراق وليبيا واليمن، وخاصة تجاه جيوشها وبناها التحتية، وقد أصبحت عملية لجم تطور البلدان النامية الشغل الشاغل للإمبريالية العالمية. ومن هنا نفهم الدأب المتواصل والمجنون لتعطيل القدرات الاقتصادية، وخاصة الطاقة الكهربائية والمائية، والأثر السلبي البالغ الذي تتركه لدى الجماهير، لذلك فإن الإسراع بالتسوية السياسية في سورية، من شأنه أن يعرقل تنفيذ المخططات المعادية.

أضف إلى ذلك أن الهدف الأساسي من العدوان على سورية تركز على إسقاط الدولة الوطنية السورية وسياساتها الإقليمية والدولية، والمجيء بنظام رجعي يلبي مصالحهم وأهدافهم، وهذا الهدف لم يعد هدفاً واقعياً، خاصة بعد التحول الكبير في ميزان القوى الذي صنعته قدرات الجيش العربي السوري والتعاون مع الحلفاء والأصدقاء في كل من روسيا وإيران والمقاومة.

لقد أدى العدوان الإرهابي إلى مآس وكثير من الدماء والشهداء والجرحى والمفقودين والعداوات والحساسيات المجتمعية، لا يعوض عنها شيء في هذه الحياة إلا عزيمة السوريين وتصميمهم على نبذ العنف والقتل والإجرام وإعادة اللحمة الوطنية الجامعة إلى سابق عهدها، وهذه المهمة تحتاج إلى السلام واستعادة الوعي المجتمعي المدني السليم.

بالإمكان قول الكثير عما ستحققه المصالحات الوطنية والوصول إلى اتفاقات سلمية بين السوريين أقلها أنها ستعيد الابتسامة، إلى وجوه الأطفال والأمل إلى المتضررين.. ولكن ذلك الحلم والأمل لم يتبّديا للعيان إلا وسط الكفاح المتعدد الأشكال للقوى السورية الخيّرة، ولم يأتيا عبثاً أو منّة من أحد، وبضمن ذلك الأمم المتحدة والولايات المتحدة التي كان بإمكانها وقف العدوان من اليوم التالي لوقوعه ولكنها لم تفعل.

لكن تحقيق وتنفيذ مضمون جيد للبنود الأربعة المذكورة يحتاج إلى ترجمة تطلعات الشعب السوري وحاجاته، وبضمنها حقه في تشكيل حكومة علمانية وغير طائفية وحريات ديمقراطية ودستور عصري متطور وانتخابات حرة ونزيهة، ويحتاج قبل كل شيء إلى إلقاء السلاح من قبل مَنْ حمله من المسلحين، وإزالة كل المظاهر المسلحة للجماعات غير الشرعية، وانخراط جميع المواطنين السوريين في عملية مصالحة شاملة تستند إلى فهم مشترك وتصور واحد حول مستقبل بلدهم الحبيب سورية.

لم يحصل أي اتفاق حتى الآن حول أي شيء، سوى الاتفاق على ضرورة الاتفاق، تلك العملية التي قد تستغرق طويلاً، ولكنه اتفاق الضرورة الذي يتطلع إليه كل الوطنيين السوريين، الذين سيتابعون النضال في مختلف الظروف من أجل الدولة الوطنية السورية على أساس ديمقراطي مدني علماني وتقدمي.

العدد 1140 - 22/01/2025