كثرت الهموم في حياتنا..
رحم الله أيام البساطة التي كان يعيشها الناس بقناعة وصبر ويشتغلون ضمن تلك الظروف الصعبة، وتمكنوا من تقديم نتائج جهودهم ومعاناتهم لنا لنستمع فيها، ونبتكر معاناة جديدة اسمها معاناة العصر!
هموم انقطاع الكهرباء والماء والمازوت والغاز والبنزين.. صارت معروفة!
بل إن الحرب شغلت الناس بأكثر وأقدس من هذه الهموم، وصار الناس يعيشون على وتيرة حياة موحدة من تناقل الهموم عنوانها: احكيلي لأحكيلك، أو لاتشكيلي ببكيلك!
ولم ينتبه الصحفيون والكتاب والإعلاميون إلى هموم العصر التي تتداخل مع هذه الهموم، ومن بينها هموم استخدامات اللاب توب والانشغال بالفيس بوك وتويتر والواتس أب وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي!
نعم.. هناك هموم طريفة لابد من الوقوف عندها، من بينها (الهبّة) التي تحصل عندما تعود الكهرباء إلى البيت، ويسارع كل واحد من أفراد الأسرة إلى جهازه والتواصل مع العالم الافتراضي المذهل الذي أفرزته الشبكة العنكبوتية، فكيف إذا لم يكن في البيت سوى جهاز كمبيوتر واحد؟!
آخر تلك الهموم هي انضمام زوجة صديقي إلى الجوقة!
استجدت من أولادها تعليمها على استخدامات الحاسوب، وراحت تتدرب ليل نهار على هذه الاستخدامات، ثم تدرجت في المعرفة إلى أن تمكنت من إنشاء صفحة على (الفيس بوك)، وأنشأت شبكة من الأصدقاء، وانطلقت تعلق وتكتب وترد، وراح الآخرون يشاركونها فضولها ومبادرتها فيعلقون ويكتبون ويردون..
كل هذا حصل، وكان طبيعياً حصوله..
ماذا عن انعكاس ذلك على البيت؟!
أدى انشغال زوجة صديقي إلى تغير ملموس في حياة الأسرة، فلم يعد بالإمكان تقديم القهوة في موعدها، لأن من يعد القهوة لم بإمكانه تخصيص الوقت اللازم لذلك، وصار من الصعب اجتماع الأسرة على الغداء لأن الغداء ببساطة غير موجود، فالسيدة ربة المنزل مشغولة بالفيس بوك، وعند الغداء: اسمعوا ماكتبته اليوم! وقبل العشاء اسمعوا ماذا كتبت لي فلانة وفلانة، أما في الوقت المستقطع الذي تغيب فيه الكهرباء عن البيت، فإنها تحضر على دفتر صغير ما سوف تنقله من الدفتر إلى صفحة الفيس بوك!!
انتبه الجميع إلى أهمية هذه السيدة، الأم، فمن كان يقدر هذه الأهمية في حياته؟! لا شارب القهوة، ولا متناول الغداء، ولا شارب الشاي، ولا حتى ذاك الذي يبحث عن طبق الفاكهة عند المساء!
ذلك هاجس إضافي من هواجس العصر، كانت اكتشاف أهمية الأم والزوجة من نتائجه الكبرى!