وحدة الطبقة العاملة العالمية ضمان لتحقيق أهدافها
عندما حلل كارل ماركس بنية النظام الرأسمالي، اكتشف الرسالة التاريخية للطبقة العاملة العالمية، حفّارة قبر الرأسمالية، بفعل التناقض القائم بين الطبيعة الاجتماعية للإنتاج وشكل الملكية الذي يعود للرأسماليين. كان لهذا الاكتشاف أهمية نظرية وعملية في وقت واحد، مما أدى إلى ضرورة وحدة الطبقة العاملة في العالم وفقاً للمصالح المشتركة لكل العمال الذين لن يخسروا في الثورة على النظام الرأسمالي إلا قيودهم.
لماذا كانت الطبقة العاملة هي الطبقة المرشحة للإطاحة بالنظام الرأسمالي الذي فنده وحلله بدقة كارل ماركس؟ إنها الطبقة التي تقف في الخندق الأول في مواجهة النظام الرأسمالي بفعل بيعها قوة عملها وعلاقاتها المباشرة مع طبقة الرأسماليين. كما أنها أكثر الطبقات الاجتماعية ثورية بحكم وضعها الاقتصادي وموقعها الاجتماعي، وهي أكثر الطبقات تنظيماً، لعلاقاتها وانصهارها في عملية الإنتاج مما يؤدي إلى تراجع الذاتية في عملية انصهار طبقية تستدعيها وحدة المصالح، وهي أقل الطبقات الاجتماعية عرضة للانتهازية.
كما أنها أكثر الطبقات وعياً بسبب احتكاكها مع الآلة التي تتطور وتتبدل باستمرار وفقاً لمصالح الرأسماليين في تحسين وزيادة الإنتاج، لتحصيل أكبر قدر من الأرباح.
صحيح أن وعي الطبقة العاملة يأتيها من خارجها، وهي بغريزتها تدرك اضطهادها لكنها قد تخطئ سبل التخلص منه.
جاءت تعاليم ماركس وصديقه أنجلس بداية لخلاص الطبقة العاملة العالمية من الاضطهاد، بتوضيح سبل الخلاص عن طريق الثورة أحياناً أو الانتقال التدريجي عبر النضال الطبقي، لذلك دعا البيان الشيوعي، وهو أنضج وثيقة سياسية عرفها تاريخ النضال الطبقي، إلى وحدة الطبقة العاملة العالمية فيما عرف بالتضامن الأممي ووحدة مصالح الطبقة العاملة العالمية في وجه مستغليها.
بالرغم من التغيرات البنيوية الحاصلة على أوضاعها، خاضت الطبقة العاملة نضالات مريرة من أجل تحسين أوضاعها الاجتماعية، ونجحت في تحديد ساعات العمل، والحصول على إجازات مدفوعة الأجر، إضافة إلى الضمان الصحي، وتعويض الإصابات الناتجة عن العمل، وكذلك مكافآت الإنتاج.. فقد تحسنت الأوضاع لكن فضل القيمة مازال قائماً، وهو من إنتاجهم.
ساهم قيام أول دولة اشتراكية في العالم (الاتحاد السوفييتي) في تقوية نضالات الطبقة العاملة إلى حد كبير، مما اضطر النظام الرأسمالي العالمي إلى تحسين أوضاع العمال لديه، ليتمكنوا من الاستمرار في عملية الإنتاج، وخوفاً من تحركاتهم وإضراباتهم وثورتهم على أرباب المال، وكل ما حصلوا عليه من مكاسب وتبدل في المواقع لا يلغي الطبيعة الكفاحية لها.
النضال الطبقي في العالم لا يتعارض مع النضال الوطني لكل بلد على حدة، ولا مع النضال القومي لمجموعة من الدول، والتعارض بين هذه النضالات هو افتعال أكثر منه واقع عملي، يثيره مروجو فكرة انعدام الصراعات الطبقية في المجتمع الواحد.
استطاعت الطبقة العاملة السورية أن تنال حزمة من المكاسب من خلال بنضالها الدؤوب، وواجهت الاضطهاد والقمع، مؤكدة وحدة مصالحها، كما أثبتت بما لا يقبل الشك وطنيتها وأمميتها في علاقة لا تتناقض في وحدة المصير والنضال المشترك ضد الرأسماليين في الداخل والخارج. واليوم تتحمل الطبقة العاملة السورية عبئاً كبيراً في المعركة الوطنية، معركة المحافظة على وحدة الوطن، وتماسك النسيج الاجتماعي والحفاظ على المؤسسات فيما يعرف بـ(صيانة الدولة) التي من دونها لا يمكن تحقيق أي إنجاز وطني أ واجتماعي.
تحية إلى الطبقة العاملة العالمية في نضالها الدؤوب من أجل مستقبل أفضل لها ولأبناء البشرية، ولأن تحررها يعني تحرر المجتمع بأسره، وعلى وحدتها ووعيها لمصالحها ونضالها من أجل حقوقها بالتحالف مع جماهير الفلاحين وسائر الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم، ومجموعات المهمشين والمقصيين والعاطلين عن العمل، يقترب اليوم الذي تنعتق البشرية فيه من الاستبداد الرأسمالي وتتخلص من التشييء والاغتراب، وتعاد إلى الإنسان وحدته المصادرة، وينقّى جوهره الإنساني مما علق به من شوائب عبر تاريخ طويل من الظلم والمصادرة والاستبداد.
تحية إلى الطبقة العاملة السورية في يوم عيدها، وإلى مزيد من الانتصارات الوطنية والطبقية بدحر الإرهاب، والقضاء على الفكر الظلامي، والتأكيد على أهمية الفكر العلمي، ونشر ثقافة التنوع وحق الاختلاف وبناء مجتمع تلبى فيه حاجات الإنسان المادية والمعنوية، مجتمع يخلو من اضطهاد طبقة لأخرى، أو إقصاء جماعة أو فكر، على أرضية حرية الرأي والتعبير تحت سقف وطن واحد من أجل حياة أفضل لكل أبنائه في دولة سيادة القانون وتكافؤ الفرص.