نصدّقكم إذا تكلّمتم ونتفاعل معكم إذا فعلتم.. فأين أنتم؟
أتألم كثيراً، عندما أقرأ في الصحف وعلى صفحات التواصل الاجتماعي دعوات لوحدة الشيوعيين، رغم أهمية الوحدة أو التنسيق بالحد الأدنى. لكن منذ سبعينيات القرن الماضي أُطلِقت مثل هذه الدعوات كثيراً ولم تلقَ آذاناً مصغية، رغم أن معظم الفصائل الشيوعية كررتها مراراً. وقد تاجر بعض الشيوعيين بهذه الدعوات لتحقيق مكاسب خاصة. ما يلفت الانتباه ويثير التساؤل: لماذا بقيت هذه الدعوات تتكرر، دون أن تتحول إلى أفعال؟ والسؤال مطروح على الأحزاب والشخصيات والهيئات: ماذا فعلتم لتحقيق هذا الهدف النبيل؟
التربية الحزبية التي علمت الجميع الدفاع عن الخطأ، ومحاولة تجميله، والبحث عن شماعة لتعليق الفشل عليها، تجعلنا عاجزين عن الاعتراف الصريح بالتقصير، وترميم ما يمكن ترميمه، رغم ضرورة التخلص من بعض سلبيات هذه التربية التي تحتاج إلى إعادة التصويب.
لا شك أن معظم الرفاق لديهم نوايا جيدة للوصول إلى نتائج مقبولة على هذا الصعيد، لكن النوايا وحدها ليست قادرة على تحقيق ما يريدون، وذلك للعديد من الأسباب:
أولاً_ بنية الحزب العصبوية التي يتشكل على أساسها.
ثانياً_ بعض الشخصيات الإشكالية الموجودة في الصف الأول، وتربيتها الحزبية المعيقة.
ثالثاً_ لدى بعض الأفراد الفاعلين اعتقاد بأن الحزب غاية وليس وسيلة.
رابعاً_ انعدام النقد والمراجعة بشكل فعلي داخل الأحزاب، وبقاؤهما على الورق.
خامساً_ الضغوط الخارجية التي تمارَس على الحزب، والتدخلات في شؤونه الداخلية، والمكاسب التي يحصل عليها من المتدخلين تجعله أقل حزماً تجاه مطالب غالبية الرفاق أصحاب النوايا الطيبة.
وبناء على ما تقدم نشعر وكأننا أمام العديد من المعوقات التي تحول دون الوصول إلى الوحدة المنشودة، أو التنسيق بالحد الأدنى، رغم أن جميع هذه المعوقات هشّة وقابلة للسقوط إذا توفرت الإرادة لذلك.
فهل تستطيع الأحزاب الشيوعية أن تعيد النظر، وفق عقلية جديدة، وأن تعمل على تنسيق جهودها وجمعها، لتشكيل وحدة عمل مشتركة، بغية الوصول إلى وحدة فيما بينها؟
من المفيد الانتباه إلى أن ما يجمع الشيوعيين هو أكثر بكثير مما يفرقهم، رغم أنني أعتقد أن ليس هناك ما يفرقهم سوى بعض الامتيازات والمكاسب الخاصة، ثم إن التحالف الذي حصل مؤخراً بين الحزب الشيوعي العراقي واتجاه إسلامي هو خير دليل على إمكانية خلق مرونة من نوع خاص بين الأطراف المختلفة، فكيف لها أن لا تكون بين فصائل تنتمي إلى حزب واحد وإيديولوجيا واحدة؟!
السؤال: هل يمكن لهذه القوى مراجعة الدعوات التي أطلقتها في المرحلة السابقة، ومحاولة إعطائها روحاً جديدة بنهج جديد؟ إن فكرة (العودة إلى بيت الطاعة) لم تعد قائمة حتى بالمعنى القانوني دون تحقيق بعض الامتيازات، وهي ليست كافية بشكلها القديم، وقد تحتاج إلى التغيير شكلاً ومحتوى.
عندما يعتقد معظم الرفاق بضرورة جمع الجهود، لا تنقصهم الخبرة بوضع آليات مناسبة لذلك، بعد أن يتفقوا على فتح حوار جاد ومسؤول على أرضية تشاركية حقيقية، ولكن بأدوات مختلفة عن الأدوات السابقة التي لم تنتج سابقاً، والعمل على إزالة العقبات التي حالت دون نجاحها.
لقد غادر من فصائل الأحزاب الشيوعية عدد غير قليل من الكوادر التي تملك القدرة والكفاءة، فهل كان لهذه الأحزاب دور في محاولة إصلاح هذا الخطأ؟ إن إهمال العديد من الكوادر، وعدم تقدير احتجاجاتهم، وصمّ الآذان عن سماع آرائهم، كل ذلك يدفع إلى مغادرة الحزب، لا إلى إعادة لملمة شمله والعمل على وحدته.
كل فصيل من فصائل الحزب الشيوعي فيه عدد من المحتجين، ومنهم من جمّد نشاطه، وأعتقد بضرورة الحوار معهم أولاً، والوصول إلى توافقات، بغية الانتقال للتنسيق مع الفصائل الأخرى.
إن بناء البيت الداخلي بشكل متين وديمقراطي يساعد في تحمّل أية مهمة ومع أي طرف آخر، لذلك أقترح:
أولاً- تشكيل ورشة عمل جديدة داخل كل فصيل من فصائل الحزب تعمل على تهيئة الأجواء المناسبة داخل هذا الفصيل وتذليل العقبات.
ثانياً- العمل على تشكيل لجنة اتصال مشتركة من كل الفصائل، تشكل تفاهماً أولياً لضرورة فتح الحوار، والعمل على وضع برنامج الحوار، وتحديد الزمان والمكان وبدء عملية الحوار.
ثالثاً- محاولة التواصل مع كل الرفاق المستقلين والمغادرين لصفوف الأحزاب، والحوار معهم والسماع لمقترحاتهم وإشراكهم في الحوار، إما عبر الفصيل الذي كان كلّ منهم ينتمي إليه، أو عبر مجموعة المستقلين.
إن هذه الخطوات الأولية تشكل بداية صحيحة لعمل تشاركي تغيب فيه الوصاية والإقصاء والتهميش، لينطلق الحوار بمن حضر، مع حق كل طرف في الحضور متى يشاء، لتشكيل ورشة العمل الحقيقية التي تعبر عن رؤية كل ألوان الرفاق المتحزبين والمستقلين.
إن تحويل الأقوال إلى أفعال هو ما يعيد الثقة بالعمل المشترك، وخلق الروح التعاونية، كما أن ممارسة الديمقراطية داخل الحزب تشكل حافزاً مهماً، وإعطاء دور لقواعد الحزب لتحمل مسؤولياتها ومنع احتكار القرار، يشكل الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح.
لن ترحم الأجيال القادمة هذا الحزب وقياداته إذا لم يفعلوا شيئاً من أجل الوطن في لحظة تاريخية حاسمة على الصعيد الوطني، والأيام والشهور القادمة تحمل معها صعوبات جديدة تحتاج إلى جمع الجهود والطاقات لمواجهة التحديات المتمثلة بمطامع الإدارة الأمريكية وأدواتها وحلفائها.
إن هزيمة المشروع الأمريكي في المنطقة وهزم حلفائه وإبطال أدواته هو غاية لكل الوطنيين الأحرار. من أجل ذلك يجب العمل على إنجاز مهمة التوحيد، وجمع الجهود ليتشكل الجهد المطلوب، لفرض معادلات جديدة، ولإحلال الأفعال محلّ الأقوال.