أحلام معلقة برابط
وعد حسون نصر:
إنها نتائج امتحانات الشهادات عند الأهل والطلاب والمستقبل المُتعلّق بعلامة! عيون حائرة تبحث في مواقع الإنترنيت، وأخرى ترنو بدقة على رقم الاكتتاب، ومقل تتجّه تارة للسماء وتارة إلى من بيده الجوال لانتظار كلمة مبروك. كم من دموع انهمرت لفقدان علامات، في هذه المادة أو تلك، أو في المجموع العام، رافقها إحساس كبير بالظلم. كم من حالة إغماء بسبب رسوب غير متوقع كسر الخاطر وأضاع تعب عام كامل، فتعاظم ألم فشل غير محسوب. وهنا تبدأ المواساة وكلمات وعبارات علّها تُخفّف من ألم النفوس قليلاً، لكنها لا تعيد الوقت إلى الخلف ولا ترفع من معدّل المحصلة، وعبارة (سنة من سنة قريبة) وبإمكانك أن تُعيد المحاولة، لا يمكنها أن تحصي الزمن بساعات وتجعل الطالب مندفعاً كحاله في أول العام الدراسي المُنصرم حين كان بشغف ينتظر النجاح، لكن الحظّ خانه وجعل النجاح بعيداً عن أحلامه!
لقد باتت الشهادة كابوساً يضغط على الأهل والطلاب، وخاصة في الشهادة الثانوية لما يترتّب عليها من تحديد مصير للأهل بشكل عام، وللطالب بشكل خاص، باعتبارها مرحلة فاصلة بين حياة المقاعد المدرسية والمسؤولية الملقاة على الأهل في هذه المرحلة، وحياة الدراسة الجامعية ومسؤولية الطالب أمام ذاته والمجتمع، وما يترتّب عليه من ظروف جديدة مختلفة كلياً عمّا سبقها. هنا، لابدّ من أن تكون العلامات أكثر من مجرّد مقبولة كي تؤهله للدخول إلى الجامعة في فرع يضمن له أقلَّ ما يمكن عملاً لائقاً بعد التخرج. وعليه كذلك التنسيق بين العلم والعمل، بين الدراسة والمصروف فيسعى إلى إيجاد عمل يساعده على تأمين تكاليف الدراسة في الجامعة ومصاريفها التي فاقت كل خيال في بلادنا! أفكار مُشتّتة بين الاستمرار في الدراسة أو التوقف والاتجاه لسوق العمل، بين اختيار الفرع المناسب ونتيجة المفاضلة، بين علامات مُحدّدة في المفاضلة الأولى وكم الزيادة الطارئة عليها في المفاضلة الثانية! أفكار واحتمالات وضياع في ظلِّ واقع محكوم ومقيّد بالظرف المادي والاجتماعي والتغيّرات المُتسارعة في المنطقة على مختلف المستويات، فيكون النجاح عندنا ممزوجاً بحرقة ما بعده. كذلك يكون الرسوب بحدِّ ذاته حرقة وخيبة وألماً، والمُتخبّط بينهم هو الطالب بأحلامه المتأرجحة على سنوات الدراسة الجامعية وما بعد التخرج!
أسباب كثيرة توقِع الأهل والطلاب في حيرة حيال نتائج الشهادة، لعلَّ أهمها الأزمة وما خلفته من دمار مدن بأكملها، فقدت فيها بنيتها التحتية والتعليم فيها نال الحصّة الأكبر عندما تحولت المدراس في بعض المناطق الآمنة إلى مراكز إيواء. كذلك التهجير القسري وما خلفه من نقص في الكادر التدريسي والاختصاصات، إلى درجة بتنا نرى طالباً ما زال على مقاعد الجامعة يقوم بتدريس طالب شهادات بصفة مُدرّس مُختص، دون النظر إلى الخبرة سواء في مجال التدريس أو التعامل مع هؤلاء الطلبة، أو حتى طريقة الحوار القائم بين المعلم والطالب. أيضاً، العجز المادي والتضخّم الاقتصادي والفجوة بين الراتب والمصروف جعل بعض المُدرّسين يتخلون عن ضميرهم المهني وعن كونهم رسلاً للعلم، ويتّجهون نحو إعطاء الدروس الخاصة متجاهلين الوضع المادي لكثير من الطلاب، بتركيزهم فقط على الطالب الراغب بالدروس الخاصة، وهنا تمضي الحصة بمعلومات قليلة لا تكفي لطالب الشهادة الراغب بتحقيق مستقبله وأحلامه.
لا يختلف الوضع عند طلاب الشهادات الثانوية عنه لدى طلاب شهادة التعليم الأساسي، فقط مع فارق أن الأولوية في نتائج الثانية تكون للقبول في التعليم العام لا المهني ولا التجاري ولا حتى الصناعي، وهنا تتجه أنظار الأهل نحو مجموع يخوّل أبناءهم الدخول في الثانويات البعيدة عن المفهوم العملي والمهني، فتبدأ مسيرة جديدة نحو الشهادة الثانوية بكل تبعاتها وأتعابها. وهنا، يكبر الحلم ويزداد الخوف على مستقبل الأبناء من جديد!
للأسف، حال العلم في بلادنا مرهون، في جانب كبير منه، بالضمير، وللأسف أن الأزمة جعلت بعض المُدرسين والمسؤولين يركنون ضميرههم جانباً، ويمضون بغرائزهم وجشعهم نحو عملهم في الدروس الخاصة، بلا أدنى إحساس بالمسؤولية تجاه الشباب والبلاد.