سياسات تعليمية تاهت بطلابنا

إيمان أحمد ونوس:

في كلّ المجتمعات يخضع التعليم والتعلّم لشروط أساسية كي يصل إلى غاياته التي من أهمّها الاستعداد النفسي والعقلي، وكذلك تنمية قابلية التلقي والاستيعاب لدى الطالب، ليكون بمقدوره البحث والتنقيب عمّا يرفد ما يتلقاه من معارف وعلوم خلال مختلف المراحل الدراسية والأكاديمية. وانطلاقاً من ذلك، فقد تنوّعت في عصرنا الراهن أساليب التعليم ووسائله واتجاهاته، وأصبح في مرحلة الطفولة المبكّرة-ما قبل المدرسة- ضرورة مُلحّة يقتضيها تطور المجتمع والفرد على حدٍّ سواء.

غير أن التعليم عندنا صار، منذ عقود خلت، يأخذ اتجاهات مختلفة لا تخدم الهدف منه على الإطلاق، خاصةً حين نشأت ظاهرة الدروس الخصوصية التي ألقت بظلالها المُرهقة واللامُجدية بالنسبة للطالب ونوعية التعليم أو أسلوبه في المدارس التي تحوّلت إلى مُجمّعات طلابية الهدف منها فقط التقدّم للامتحانات نهاية العام الدراسي، بعد أن تراجع أداء الكثير من المدرسين في مدارسهم مقابل ذيوع صيتهم في مجال الخصوصي، مثلما أرخت بثقلها على الأهل بما يفوق قدراتهم المادية، لما تتطلّبه من مبالغ حلّقت عالياً خاصةً أثناء الأيام والساعات الأخيرة التي تسبق الامتحان.

كل هذا في ظلّ تراخي وزارة التربية، وغضِّ الطرف عمّا يجري، رغم كل الإجراءات النظرية التي نادت بها في معاقبة المدرّس الذي يلجأ لتلك الدروس، إضافة إلى أن التعليم في القطاع الخاص قد انتشر بكثافة في السنوات الأخيرة بأسعار خيالية لا تتناسب ومستوى التعليم فيه.

لا شكّ أن المسؤولية عن ذلك التدهور الخطير على مستوى العلم والتعليم والمتعلمين تقع على عاتق وزارة التربية بالدرجة الأولى والأخيرة، لعدّة أسباب أهمها:

– أولاً وقبل كل شيء غياب رقابتها عن كل ما ذكرناه أعلاه، رغم أنها تعرف تماماً ما يجري في كواليس العملية التعليمية سواء داخل المدارس أو خارجها.

– في سعيها الدائم والحثيث من أجل تطوير المناهج وتحديثها، لم تأخذ بعين الاعتبار البنية التحتية للمدارس، التي تُعاني حتى وفق المناهج القديمة نقصاُ حاداً، وربما مفقوداً في كثير من المدارس في المناطق والمدن كافة، فلا مختبرات، ولا وسائل إيضاح تلبي المطلوب منها، ومن ذلك ما تحتاجه المناهج الحديثة بطرق علمية وتربوية سليمة.

– الانتقال المباغت بالطلاب من طرائق معيّنة ومُحدّدة، إلى طرائق وأساليب جديدة غير مألوفة في التلقي والتعاطي والامتحان- مثال ذلك القرار بأتمتة امتحانات الثانوية العامة، الذي صدر بعد شهرين تقريباً من الفصل الدراسي الأول، ثم التراجع عنه بعد شهر تقريباً من بداية الفصل الدراسي الثاني، فهؤلاء الطلاب اعتادوا على النمط التقليدي في الدراسة والحفظ المؤقت والآلي فقط من أجل التقدّم للامتحان، ثمّ نسيان كل ما له علاقة بالمنهاج.

– القياس والتقييم أو التقويم الذي تعتمده كلٌّ من وزارتي التربية والتعليم العالي في احتساب نسب النجاح من جهة، ومُعدّلات القبول الجامعي من جهة أخرى، لا تستند إلى معيار الذكاء الحقيقي بالنسبة للطلاب الذين حصلوا على معدّلات عالية أو منخفضة، وإنما تقوم على معيار نسب الاستيعاب في الجامعات والمعاهد أو الثانويات بمختلف فروعها، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى الإساءة للتعليم المهني حين صدور معدّلات القبول في الثانويات (بعكس ما كان يُصرّح به وزير التربية السابق عن أهمية التعليم المهني وضرورة انتشاره)، فما زال هذا التعليم يحصل على معدّلات متدنية لا تتوافق وأهميته في رفد سوق العمل بكوادر مؤهلة علمياً ومهنياً بدل العشوائية في هذه المهن.

لذا، على المعنيين بواقع التعليم في سورية، لاسيما بعد ما عاشته البلاد من حرب ما زالت آثارها قائمة ومتجدّدة، أن يأخذوا بالحسبان أسباب هذه الحرب وتداعياتها، من كل النواحي الاجتماعية والأخلاقية، والتفكير بإعادة تأهيل الجيل الذي واكب الحرب وعايش قسوتها بأقلِّ العقد النفسية والتشوّهات التي فرضت ذاتها على أجيالنا، التي بات التعليم بالنسبة لها إمّا حلماً بعيد المنال في ظلّ كل ما ذكرناه، وإمّا عبئاً يحتاج إلى المال والوقت من أجل الكسب لاحقاً، لأن الواقع المعيشي القاسي لا ينتظر ولا يرحم الجائعين. وهذا ما يحتاج حقيقة إلى إرادة جبّارة من قبل أولئك المعنيين لإعادة النظر بالتعليم والعملية التعليمية من مختلف اتجاهاتها كي ننهض من قاع التخلّف الذي بدأنا ننحدر فيه يوماً بعد آخر.

العدد 1140 - 22/01/2025