الضرائب والربط الإلكتروني

د. عامر خربوطلي:

إننا اليوم أمام مشكلة حقيقية وإذا كنا غير قادرين على رؤيتها فهذه مشكلة بحد ذاتها، فالتراجع الاقتصادي في سورية اليوم خطير، وهناك تراجع في الناتج المحلي بشكل سلبي، وهذا ينعكس بشكل مباشر على الدخل والمعيشة بشكل واضح، فهل الضرائب هي وسيلة لتحفيز النشاط الاقتصادي وتنشيطه أم هي وسيلة لإبعاده؟

النظام الضريبي السوري  نظام غير عادل وقديم،  والتعديلات التي أُدخلت عليه أكثر من القانون بحد ذاته، ويجب أن نأخذ الموضوع بشمولية أكثر يفترض فيها تناغم السياسة المالية مع السياسة الاقتصادية بشكل عام، وأن الضريبة ترفع تكاليف الإنتاج  وتخفض الاستهلاك، كما أنها تخفض الجزء المخصص للادخار لأنها تأخذ من الاستهلاك، فالاستهلاك حين ينخفض عند كل الطبقات هو عامل غير مشجع على النمو الاقتصادي، كما أن الضرائب المرتفعة تكبح الاستثمار، والحدّ الأدنى من الضريبة يجب أن يتساوى مع الحد الأدنى للمعيشة والضريبة تفرض على الفائض وهي واجب وطني لدعم خزينة الدولة والمشاركة في تمويل الإنفاق العام، وينبغي أن تراعي الضريبة اليوم حالة الركود التضخمي والمتمثلة بالركود الشديد والضعف في المبيعات والتضخم.

والارتفاع في الأسعار ليس ناجماً عن زيادة الطلب، وإنما بالنسبة الأكبر ناجم عن ارتفاع التكاليف والأعباء.

إن موضوع الربط الإلكتروني هو جزئية مهمة قامت بها وزارة المالية في ظل قراءة مستقبلية تتجلى في أنه سيكون هناك تعديل للنظام الضريبي، وهذا الكلام إذا تحقّق في فترة قريبة نكون قد اتجهنا في مسارين صحيحين، الأول هو العملية الإلكترونية، والمسار الثاني هو إعادة ضريبة  العامة على الدخل ولاحقاً ضريبة القيمة المضافة، فهذه ضريبة متطورة ممكن أن تحقق العدالة وكل النواقص التي كانت موجودة في النظام الضريبي الحالي، فالربط الإلكتروني هو وسيلة حديثة للتحقق الضريبي لكن يقابلها الطرف الآخر، ففي حال عُرف رقم الأعمال الصحيح، بالمقابل يجب الاعتراف بالنفقات جميعها، فعندما نستطيع وضع النفقات على البرنامج الإلكتروني نفسه، وكلها تكون مقبولة من قبل الإدارة الضريبية، فعندئذٍ نكون أمام مصالحة تاريخية غير مسبوقة ما بين دافع الضرائب والإدارة الضريبية. وتنتهي مشكلة التهرب ويكون التسديد بقناعة وطواعية.

إن مشكلة النظام الضريبي الحالي أنه لم يراعِ وضوح المصاريف والنفقات، فهناك مصاريف ونفقات غير مرئية لا توجد فواتير بها، ونجاح الربط مرتبط باعتماد جميع المصاريف وإلا سيكون هناك خلل سيدفع ثمنه المستهلك النهائي.

وعلى سبيل المثال هناك مصاريف تتعلق بالنشاط الصناعي من الممكن أن يكون هناك أكثر من سعر للمشتقات النفطية، وعدم استقرار سعر الصرف، وهذا ما يجب أن ينعكس في النفقات وبالتالي يجب لحظه ضمن التكاليف، ولكي تكون نتائج برنامج الربط صحيحة يجب أن تكون المصاريف موافقاً عليها، ليس فقط من جهة الحكومة وأيضاً من جهة من سيدفع الضرائب، فقبول الإيراد ينبغي أن يقابله قبول النفقات كاملة، فالأمور يجب أن تكون واضحة وكل تجارب دول العالم في الخارج تعتمد هذه المعادلة للوصول إلى ما يسمى عدالة ضريبية.

إن الربط الإلكتروني هو خطوة مهمة لتعزيز الثقة والعدالة الضريبية، وفي كل الاجتماعات التي جرت بين رجال الأعمال ووزارة المالية كانت هناك مطالبة واضحة بأن تكون الضرائب واضحة وليست انتقائية، وأن الربط الإلكتروني بين كبار ومتوسطي المكلفين أساسه التنظيم الذي يجب أن يكون بجميع النواحي.

حقوق دافعي الضرائب لها علاقة بالشفافية والوضوح والوعي، ومن الضروري بناء ثقة مع المواطنين كونها ركيزة أساسية لاستراتيجيات الامتثال الضريبي التي يتم اعتمادها بحيث يطمئن دافعو الضرائب أن ما يدفعونه يوجّه إلى تحسين مستوى الخدمات العامة من بنى تحتية وصحة وتعليم.. ولا يهدر في غير مواقعه.

من الأهمية إعادة النظر بموضوع تحديد نسب الأرباح لدى المكلف، فالتاجر أو الصناعي لديه رقم أعمال ولديه تكاليف ونفقات وما يحصل عليه من ربح تحدّد على أساسه النسب الضريبية.

فعلى أي أساس تحدّد الأرباح التي من خلالها يجري فرض النسب الضريبية عليها، ومن يحدد أن هذه النسب حقيقية أم غير ذلك.. ففي منطقة يكون الربح على سبيل المثال 5% لكن في منطقة أخرى تكون التكاليف أكبر فكيف يتم حساب نسب الأرباح بالتساوي.

من المعلوم أيضاً أنه كلما زاد ضغط الضرائب يزدهر اقتصاد الظل الذي تصل نسب وجوده في سورية إلى 50% وهذا رقم هائل، نجمت هذه النسبة بالدرجة الأولى عن الأزمة، وعلى سبيل المثال فالكثير من أصحاب الفعاليات باتوا يلجؤون إلى مناطق المخالفات لأن الضرائب لا تطولها غالباً، الأمر الذي ساهم بتنامي ما يسمّى اقتصاد الظل إلى حدود غير مسبوقة، ذلك أن هذا النوع سينتهي مع الربط الإلكتروني لأن الجميع سيحصل على سجلات وترخيص ورقم ضريبي

والمطالبة بتسريع تطبيق الربط الإلكتروني، بالتوازي مع تحسين وإصلاح النظام الضريبي الجديد، الذي رُوِّج له أنه مدروس بشكل معمّق ومنهجي ويجاري كل الأنظمة العالمية مع تطور الهياكل الاقتصادية وتطور العمل والإنتاج أمرٌ مهمّ جداً وعاجل.

إن الوعاء الضريبي كلّما خُفِّض أعطى ثقة واطمئناناً أكبر للمستثمر والمنتج والتاجر، ذلك أن الحكومة في مرحلة ما خفضت نسب الضرائب إلى 30% عند ذلك زادت واردات الضرائب بنسبة 20% نتيجة ازدهار الأعمال والأنشطة.

إن النهوض بالاقتصاد وعلى الرغم من المشكلات الكثيرة التي يعاني منها ممكن وهناك حلول كثيرة ويمكن الأخذ بها.

المطلوب مستقبلاً في مرحلة الإعمار والانتعاش إيجاد الوسائل والأدوات لتكون الضريبة معتدلة ومحفزة للعمل الاقتصادي وشفافة، والربط الإلكتروني هو خطوة مهمة لتعزيز الثقة والعدالة الضريبية في التطبيق ما يساهم في إعادة الثقة بين المكلف والدوائر المالية.

العدد 1104 - 24/4/2024