ماذا لو فاز ترامب؟!

د. نهلة الخطيب:

بدأت فعاليات السباق الرئاسي الأمريكي، بالانتخابات التمهيدية لحزبي السلطة، وأصبح مؤكداً أن المرشحين الندّين للانتخابات الرئاسية لهذا العام، جو بايدن في ظل التدني الصارخ في شعبيته، والشكوك حول قدرته على الفوز في الانتخابات، ووسط اتهامات بتورطه وابنه بقضايا فساد، ومحاولات من مجلس النواب بإجراءات عزله من منصبه. ودونالد ترامب، رغم الابتذال، وسوء الأخلاق، والخلل، الذي ميّز ولايته الأولى، لا يزال قادراً على التأهل مرة أخرى لهذا السباق، بعد فوزه الساحق في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، في ولايتيْ أيوا ونيوهامبشاير، وانسحاب منافسه ديسانتس من المعركة الانتخابية.

جورج كونواي يصف ترامب، بأنه (شخصية نرجسية ولن يسمح لأي شخص آخر بالفوز بالانتخابات)، تلاحقه قضايا ومحاكمات في وضع غير مسبوق لرئيس أمريكي، بدأت بتورطه في اقتحام الكونغرس عام2021، وأصبح ترامب أول رئيس في تاريخ أمريكا، يعرقل الانتقال السلمي للسلطة، فكانت ضربة قاسية للديمقراطية الأمريكية.

ثمة ضبابية هائلة ترخي بظلالها على الانتخابات الرئاسية واحتمالاتها، ستؤدي إلى تهديد محتمل للاستقرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، والسياسة الخارجية والتجارية الأمريكية، وتغييرات كبيرة على السياسة الدولية في السنوات المقبلة، ففوز بايدن لن يمر بسهولة بالنسبة للجمهوريين، الذين يضغطون عليه ويضعفون قراراته، وهذا يفرض غموضاً بشأن مستقبل الرئاسة الأمريكية، والأمر ذاته إذا فاز ترامب بالسلطة مجدداً، فهناك مخاوف من صدام ترامب وبعض المؤسسات داخل الدولة. ترامب يرى أنه كان ضحية، ورغبته في الانتقام من أعدائه السياسيين، بدل صنع سياسات، والمحاكمات التي يواجهها في القضاء، يعتبرها شكلاً من أشكال التدخل في الانتخابات، وهناك تقارير عن خططه لحزم السلطة التنفيذية لصالحه، من خلال تعيين الموالين، وتوسيع سلطته، وفصل موظفي الحكومة الفيدرالية، مما يشير إلى خطر حدوث المزيد من العنف السياسي في البلاد.

يقول جورج واشنطن: (إن أيّ انتخابات في أمريكا هي حرب أهلية مؤجلة، لا نعلم متى تنفجر).

فوز ترامب بولاية ثانية، يشكل مصدر قلق بالنسبة للعالم، فمن الصعوبة التنبؤ بما سيقوم به في حال عودته للبيت الأبيض، وما الحدود التي سيلتزم بها، ونكوصه عن معظم الأدوار الدولية والاتفاقيات، فهو يتحدث عن تقليص الاشتباكات العسكرية الأمريكية في الخارج، وإنهاء الدعم المالي الأمريكي لأوكرانيا، وسط توقعات بأنه سيدفع إلى نهاية الحرب فيها، وتقليص التزامات أمريكا تجاه الناتو، والدفاع الأوربي، والتلميح بالانسحاب، فهو يفضل الصفقات على التحالفات، برأيه نظام التحالف مكلف للغاية، وهذا ما يستدعي الاستعداد الأوربي لتوترات اقتصادية، وأمنية قادمة مع أمريكا، وإيجاد بدائل للجانب الأمريكي، وبناء تحالفات وعلاقات جديدة، قالت كريستين لاغارد (رئيسة البنك المركزي الأوربي): (يجب على أوربا أن تستعد للتهديدات المحتملة لاقتصادها، إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض). وجود ترامب الشعبوي سيدعم التعاطي مع الأحزاب الشعبوية، التي تتصاعد في أوروبا، مما سيؤثر على الاقتصاد بشكل سلبي، ويهدد مستقبل الاتحاد الأوربي، في ظل تشكيك تلك الأحزاب فيه، وسيطرة أحزاب اليمين المتطرف على ما يقارب 25% من البرلمان الأوربي، تعظيم ترامب لـ(أمريكا أولاً)، ووصف أوربا بالقارة العجوز، وأن عليها أن تدفع ثمن حماية أمريكا لها، هذا ما دفع ألمانيا للدعوة إلى جيش أوربي موحد وتعزيز الإنفاق الدفاعي للتخلي عن الحماية الأمريكية.

فوز ترامب بولاية ثانية يعني عودة السياسات التي اتبعها في السابق، سيزيد التنافس الصيني الأمريكي في العالم، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يهدد بتأجيج الصراع بين أمريكا والصين واتساع نطاقه، وقد يقتصر على العقوبات الاقتصادية مقابل تراجع الصين عن المنافسة القطبية. أمّا بوتين فسيكون أقل قلقاً بفوز ترامب، بالنظر إلى الاتهامات الأمريكية لروسيا، بالتدخل لصالحه في الانتخابات السابقة، فموقف ترامب من الحرب الأوكرانية، والدول الأوربية، سيُخرج بوتين منتصراً منها. سيكون لترامب تأثير كبير على الشرق الأوسط ومختلف عما هو عليه الآن، وخاصة دول الخليج، وإيران، التي يأخذ ترامب منها موقفاً عدائياً، سيزيد من عزلها ويكسر الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته الصين، وينسف الاستراتيجية الجديدة التي اتخذتها دول الخليج القائمة على موازنة القوى وتنويع تحالفاتها، بصياغة علاقات جديدة مع الصين وروسيا، وينعش الاتفاقات الإبراهيمية، وربما يجبر السعودية على إتمام التطبيع مع إسرائيل، ليفتح المجال أمام دول أخرى.

ترامب الذي تتجول ابنته ايفانكا في غلاف غزة متمنّية القتال إلى جانب الجنود الإسرائيليين، لن يقبل أي مهاجر الا إذا أعلن الولاء لإسرائيل، وسيكون أكثر عوناً لها، للاستمرار في سياسات الحرب، والاستيطان وضم أراضي جديدة، أليس هو من أصدر قراراً متجاوزاً سابقيه من الرؤساء، معلناً الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وعراب صفقة القرن، ليشعل فتيل الصراع الملتهب أصلاً في منطقة الشرق الأوسط. يقول نبيه برجي نحن كعرب: (لا يعنينا من يكون الإمبراطور، سواء بايدن أو ترامب، في نظر الاثنين، لسنا – كعرب- سوى الماعز البشري، على أسوار البيت الأبيض، لا مكان، ولا مكانة لنا، لا في العقل الأمريكي، ولا في الأجندة الأمريكية).

حتماً سنكون مع ترامب إذا أُعيد انتخابه، ولكن نحن بحاجة إلى أي رجل غير ترامب، لأنه خطر على أمريكا وعلى العالم. ترامب، بين (أمريكا أولاً)، والحفاظ على موقعها كقطب أعظم وحيد في العالم، و(نظرية الرجل المجنون)، وقدرته على أن تكون هناك حالة عدم تيقن حقيقية لدى الآخرين بما سيفعله، تحدق به الأزمات من كل حدب وصوب، في الشرق الأوربي، والشرق الآسيوي والشرق الأوسط، وللتوصل إلى أي تسوية، قد تحتاج إلى حرب كبرى بتداعيات كارثية على سائر القوى، فماذا لو فاز ترامب؟!

 

 

العدد 1107 - 22/5/2024