موقف الصين من الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوربا

وقعت عدد من الدول من بينها الهند والإمارات والسعودية وإسرائيل والأردن والاتحاد الأوربي، بحسب الموقع  الرسمي للبيت الأبيض، وعلى هامش اجتماعات قمة العشرين مذكرة تفاهم لإنشاء ما يسمى الممر الاقتصادي بين  الهند والشرق الأوسط وأوربا India – Middle East – Europe Economic Corridor ( IMEC , ) وتتناول هذه الدراسة مدى تأثير وأهمية الممر التجاري  )  (IMECالذي من المتوقع أن يشكِل نقطة تحول استراتيجية في خارطة الممرات العالمية، إذ توقع عديد من المتابعين لشؤون التجارة الدولية أن الممر حال تنفيذه سينقل حركة التجارة الدولية إلى مرحلة مفصلية جديدة ذات آثار إيجابية لَربما قريبة مما أحدثته قنوات بحرية مفصلية سابقة في حركة التجارة الدولية، كما يتوقع أن يؤثر IMEC في مواقف الدول المنافسة من الآثار المستقبلية للممر، لا سيَما أن الدول المشاركة ذات أوزان كبيرة تمتد من آسيا إلى أوربا، يصنَف بعضها بالمعايير الدولية على أنه من الاقتصادات الناشئة والواعدة والصاعدة، وبعضها من الاقتصادات الصناعية المتقدمة.

 

أولاً_ سمات وملامح الممر الاقتصادي العالمي IMEC

يبدأ مسار الممر الاقتصادي بحرياً من الهند، ذات الشريط الساحلي الطويل على المحيط الهندي وبحر العرب، وتحديداً من مواني مدينة مومباي، مروراً ببحر العرب إلى ميناء دبي، ثم يبدأ مسار خط السكك الحديدية من منطقة الغويفات الإماراتية، مروراً بالأراضي السعودية نحو جنوب الأردن، ثم إلى مدينة حيفا الساحلية في فلسطين المحتلة، ثم يعود من جديد المسار عبر البحر من حيفا بالبحر المتوسط إلى ميناء بيرايوس اليوناني، ثم يعود مجدداً المسار البري من اليونان إلى داخل أوربا.

يتفرع الممر إلى طريقين:

* شرقي يبدأ بالدولة الهندية الصاعدة اقتصادياً، ثم يربطها بمنطقة الخليج العربي، الغنية بالنفط والصاعدة على الخريطة الاقتصادية والسياسية الدولية بحكم مقدراتها الاقتصادية الهائلة.

* شمالي يربط منطقة الخليج العربي بالدول الأوربية المتقدمة صناعياً وتكنولوجياً واقتصادياً، حيث باتت الدول الأوربية في حاجة ماسة إلى بدائل تجارية في ظل التداعيات المتصاعدة للتحولات الدولية في مجال الطاقة والموارد الهامة، لا سيما تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية والتحولات الطارئة في إفريقيا.

 

* مقارنة بالممرات الدولية القائمة أو المطروحة عالمياً مثل الحزام والطريق ، تتعدد وتتنوع البنية التحتية العابرة للقارات (خطوط الربط) للممر المقترح، إذ تتعدى بنيته التحتية مسألة الخط الواحد، كما هو الحال في عديد من الممرات الدولية المطروحة، إلى خطوط إضافية تخدم أغراضاً متعددة، بإنشاء خط أنابيب لتصدير الهيدروجين النظيف، ومد كابل للكهرباء وكابلات للاتصالات الرقمية بجانب السكك الحديدية لتعزيز أمن إمدادات الطاقة العالمي، ما من شأنه إحداث نقلة نوعية في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين أطرافه، وتسهيل نقل البضائع والأفراد بشكل سريع للغاية، وتوفير فرص عمل وتقليص انبعاثات الغاز لصالح تحسين المُناخ، وهذا يتناغم مع أهداف عديد من الدول الواقعة في نطاق المشروع، ومنها السعودية، الراغبة في التحول إلى أكبر منتج للهيدروجين الأخضر في العالم بحلول عام 2026 م.

*  يختلف هذا الممر عن ممر الحزام والطريق، من كونه يقوم على النهج التشاركي (مبدأ الشراكة)، لا النهج المركزي (مركزية دولة معينة تحظى بالنسبة الكبرى من المصالح والمكاسب والعائد بشكل عام)، وهي أهم خصيصة يتميز بها هذا الممر المزمع إنشاؤه، إذ صمم على نحو لا يخدم مصالح دولة بعينها تريد أن تصبح المركز لهذه البنية التحتية والشبكة الدولية العابرة للحدود، وإنما صُمّم على أساس خلق شراكة دولية.

* يحظى الممر المقترح برغبة وطموح عاليين من الأطراف الواقعة في نطاقه كافة لاعتبارات متعددة خاصة بكل دولة، لها علاقة بحساباتها وتطلعاتها الإقليمية والدولية لتعزيز مكانتها، ومؤشرات ذلك عديدة منها:

1 – جدولة الدول الأطراف خطة عمل واضحة خلال 60 يوماً من تاريخ إعلانه لإعداد خطة عمل واضحة للبدء في تنفيذ البنية التحتية للممر، ومنها الرغبة الهندية الواضحة للانخراط بشدة ضمن سياسة الممرات العالمية وتحولها إلى مؤثر دولي في خارطة المشاريع اللوجستية العالمية، وذلك ضمن رؤيتها للصعود الاقتصادي (الحلم الهندي)، والدعم الأمريكي الواضح في قمة العشرين لتنفيذ الممر، إذ وصفه الرئيس جو بايدن بالتاريخي.

2-  الرغبة السعودية في تنوع خطوط الإمداد وتعدد مسارات الممرات ودعم سلاسل الإمداد العالمية، فهذا المشروع يتناغم مع مبادرة سلاسل الإمداد العالمية للمملكة لعام 2022 م، والاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية لعام 2021 م، وذلك ضمن استراتيجية المملكة لتنويع مصادر الاقتصاد على ضوء مستهدفات رؤية 2030 م، علاوة على أن المملكة لديها المقدرة على الإيفاء بالتزاماتها، بما تمتلك من بنية تحتية لوجستية ومقدرات مالية، إذ أكد الأمير محمد بن سلمان التزام المملكة دفع مبلغ 20 مليار دولار لهذا الممر ضمن مبادرة الشراكة العالمية للبنية التحتية والاستثمار.

3-  كذلك نرى الدول الأوربية المشاركة في الممر تدفعها التطورات الداخلية، ممزوجة بالتحولات الدولية، إلى المشاركة بفاعلية لتنفيذ الممر، ويعكس ذلك موقف الاتحاد الأوربي والدول الأوربية، خصوصا إيطاليا وفرنسا وألمانيا، الداعمة بشدة لتنفيذ الممر.

 

ثانياً_ الأهداف والمكاسب الاقتصادية المحتملة للممر IMEC

عند تنفيذ هذا المشروع الضخم، الممتد لآلاف الكيلومترات، والرابط بين قاراتي آسيا وأوربا، لا شك ستتحقق مجموعة من المكاسب الاقتصادية، ليس فقط بالنسبة للدول الواقعة على طول الطريق، بل ستشمل الدول المحيطة، والاقتصاد العالمي كذلك، ونوضح ذلك في النقاط التالية: *  يتوقع أن يسهم الممر في نقل البضائع بشكل أسرع بنسبة 40 %، مقارنة بالوضع الحالي، بين أطراف الممر المزمع إنشاؤه.. وهنا نقول إن الهند ترتبط مع دول الخليج العربي بعلاقات تجارية مهمة، إذ تعد الهند ثاني أكبر شريك تجاري للسعودية (53 مليار دولار بالعام 2022 / 2023 م)، وتأتي في المكانة التجارية بعد الصين مباشرة، كما تعد الهند ثالث أكبر شريك تجاري للإمارات (85 مليار في 2022 م(، وعلى الطرف الآخر من الممر، وصلت تجارة السعودية مع منطقة اليورو إلى 70 مليار دولار عام 2022 م.

* من شأن تنفيذ الممر خلق ممرات تجارية جديدة، مكملة أو منافسة، وليست بديلة للممرات التقليدية، كقناة السويس، التي يمر من خلالها نحو 22 % من حجم تجارة الحاويات في العالم، أو حتى ممر الحزام والطريق الصيني، الذي يمكن أن يتقاطع بشكل أو بآخر، أو حتى يستخدم نفس الطرق القائمة للممر الهندي الخليجي. فعلى الرغم من ضآلة حجم شحنات النقل البري والحديدي، مقارنة بشحنات الناقلات البحرية العملاقة التي يجري بها نقل قرابة 90 % من حركة التجارة العالمية فإن النقل الحديدي له ميزة النقل السريع، المفيد لطبيعة بعض الشحنات والبضائع مثل المنتجات الطازجة أو بعض الخامات والبضائع، علاوة على إمكانية الاستخدام المرن للممر الجديد في حالات الأزمات الجيو سياسية – .

*  يتوقع تحقيق أقصى استفادة من قدرات دول الخليج عموما، والسعودية خصوصا، في استغلال موارد واحتياطات الطاقة التقليدية من نفط وغاز، عبر ربطها بشبكات أنابيب مباشرة تلبي احتياجات الأسواق المجاورة شديدة التعطش للطاقة، مثل الهند وأوربا، ما يعني نمو وسرعة تصدير موارد الطاقة التقليدية إلى تلك الأسواق بأقل تكلفة ممكنة وتحقيق أعلى ربح ممكن، وضمان أسواق دائمة لهذه السلعة، ناهيك بتعزيز أمن الطاقة لتلك الأسواق من خلال تنويع خيارات الإمداد بالطاقة.

*  زيادة ارتباط مواني الهند بدول الخليج العربي وأوربا، وبالتالي زيادة حركة التجارة فيما بين الجانبين، وسرعة النقل من الموانئ إلى الأسواق الاستهلاكية عبر السكك الحديدية السريعة، فضلا عن زيادة تصدير الكهرباء من دول الخليج إلى أوربا عبر مد الكابلات الكهربائية.

*  خلق فرص عمل، وفتح أسواق استهلاكية جديدة، مع إمكانية إشراك واستفادة دول أخرى في الإقليم، مجاورة للممر، مثل إيران وباقي دول الخليج العربي، عبر الموانئ على الجانب الآخر من الخليج العربي، أو مصر عبر مواني البحر الأحمر وقناة السويس، حال امتد الممر إلى سواحل البحر الأحمر .

*  دعم خطط التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة والنظيفة، والاستفادة من إمكانات وموارد الجزيرة العربية من تلك الطاقات الوفيرة، مثل طاقة الشمس والرياح والهيدروجين، علاوة على جذب الاستثمارات الأجنبية في هذه المجالات وتنويع صادرات دول المنطقة، بجانب دعم الأهداف الاستراتيجية لأوربا في هذا الشأن، وتحديدا بعد أزمات الطاقة التي تعرضت لها إثر الحرب الروسية على أوكرانيا .

*  تقوية سلاسل الإمداد العالمية، وتحويل الجزيرة العربية، وتحديدا السعودية، إلى مركز حيوي في مجال النقل والخدمات اللوجستية العالمية، لدعم خطة التنويع الاقتصادي ضمن رؤية 2030 ، وتفعيل المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عام 2022 م، وخصص لدعمها قرابة 3 مليارات دولار من الموازنة الحكومية .

*  تحويل المملكة إلى مركز إقليمي وعالمي (Hup) في مجال الرقمنة والاتصالات فائقة السرعة، ماسيفيد في تسريع تحول حكومات ودول الشرق الأوسط نحو الرقمنة.

 

ثالثاً_ الموقف الصيني

اعتبرت الصين مبادرة الممر الاقتصادي المقترح مبادرة مرحبا بها، كما رحبت بكين سابقا بجميع المبادرات الإقليمية والدولية المماثلة، التي تسهم في مساعدة الدول النامية على تطوير وتعزيز بنيتها التحتية وربطها بالممرات الدولية، ما دام ذلك لا يمثل سلاح أو أداة تعزيز للجغرافيا السياسية لدول على حساب دول خارج نطاق الممر، لكن رغم الترحيب الرسمي الصيني بالممر ممزوج بقلق جيو سياسي يبدو واضحا فيما تناولته الأوساط – الإعلامية والسياسية الصينية حياله .

*  ويفهم القلق الصيني في سياق حدة التنافس الجيو سياسي الدولي ووقوف الولايات المتحدة، القطب -الدولي الأقوى الطامح إلى تطويق الصين عالميًا والمتمسك بالأحادية القطبية ضد التعددية المنشودة من الصين، بشدة وراء هذا المقترح.

*  كما يفهم القلق الصيني من كون بكين تمضي في تنفيذ ممر تجاري دولي مماثل عابر للحدود )الحزام والطريق(، الذي أطلقه الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013 م، كخطوة جيو سياسية استفادت منها -بكين بشكل كبير في جوارها المباشر وغير المباشر في الشرق الأوسط وإفريقيا وكذلك في آسيا الوسطى، عبر حشد دعم كثير من الاقتصادات الناشئة، التي يشار إليها غالبا باسم )الجنوب العالمي(، وأدى ذلك إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الواقعة في نطاقه، والعلاقات التجارية، والأهم تعزيز العَلاقات السياسية الإيجابية .

*  ترى بعض الأصوات الصينية أن الممر الهندي المقترح من الممكن أن يعيد تشكيل المنافسة حول المساعدة في مجال التنمية والبنية التحتية العالمية، وبالتالي تقويض الميزة النسبية للصين ومنافستهاعلى الساحة الدولية، عبر خلق بدائل وخيارات للمشروع الصيني.

 

الرأي

يعد الممر المقترح) IMEC ( بمثابة مبادرة منافسة لممر الحزام والطرق وربما بديل لها وفق الرغبة الامريكية، حيث ان غياب الصين عن اجتماع قمة العشرين له علاقة بما تعتقد بكين بأن الغرب الأوربي والأمريكي يعمل على نقل التنافس الجيو سياسي الدولي إلى الساحة الآسيوية بين القطبين الصيني والهندي، بتعزيز القوة الهندية -والدور الهندي في الدائرتين الآسيوية والعالمية، حتى يتحول الحلم الهندي إلى أقوى منافس للحلم الصيني من واقع ثقلها البشري والتكنولوجي. كما ترى الصين من خلال السياسات الغربية التي تعمل على إيجاد توافقات بين القوى الآسيوية الحليفة لأجل حرمان الصين من ميزة مصنع العالم والشعار المستقبلي صنع في عام 2025 ، بالرهان على تعزيز القوة الهندية وقوة الدول الحليفة ضد بكين، وليس مصادفةً أن تكون فيتنام المحطةَ الثانيةَ ضمن محطات زيارة الرئيس جو بايدن بعد نيودلهي خلال قمة العشرين الأخيرة، وبالتالي تعزيز حدة المنافسة في الاقتصاد العالمي بين محاور وممرات اقتصادية ولوجستية عالمية .

بناء عليه يمكن القول ان الممر المقترح IMEC  يمكن ان يؤثر في نفوذ الصين العالمي والإقليمي بما في ذلك نفوذها في الشرق الأوسط الموضوع تحت المراقبة الاأمريكية لمنع الصين من ملئ الفراغ ان وجد، لكن بالمقابل لن تقف بكين مكتوفة الايدي اما م استهداف نفوذها الدولي والإقليمي اذ يمكن ان تلقي بثقل أكبر في مشروع الحزام والطريق من خلال تكثيف التمويل في مشاريع البنية التحية للحزام والطريق فضلا عن مواصلة بكين مساعيها لتعزيز تحالفاتها الإقليمية والدولية مثل تكتلي شنغهاي والبريكس.

العدد 1107 - 22/5/2024