الاحتجاج السلمي.. لا استحضار سيناريو الفتنة

(النور):

إنه لحقٌّ مشروع لجميع الفئات الاجتماعية المتضررة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات المتعاقبة منذ بداية الأزمة والغزو الإرهابي في عام 2011، أن تلجأ إلى الشارع، لا في السويداء وحدها، بل في جميع المدن السورية، وذلك للأسباب التالية:

1- ارتفاع نسب البطالة والفقر والهجرة، وخاصة هجرة الشباب.

2- تحوّل ما نسبته 90% من المواطنين السوريين إلى خانة الفقر قسراً بفعل السياسات الحكومية التي همشت مصالح الفئات الفقيرة والمتوسطة، وانسحبت تدريجياً من دورها الرعائي تجاه الفئات الضعيفة.

3- تراجع الأجور والدخول الحقيقية للمواطنين السوريين بعد أن وقفت الحكومات موقف المتفرج أمام الارتفاع الكيفي اليومي لأسعار جميع السلع والخدمات، وبضمنها السلع والخدمات التي توزعها الحكومات، وعدم الاكتراث بالانخفاض الكارثي لسعر الليرة السورية أمام أسعار القطع الأجنبي.

4- التفاوت الكبير بين 90% من أبناء الوطن، وأقلية قادرة وثرية استفادت من مفرزات الأزمة، وأخذت تستعرض بذخها بطرق استفزازية، في ظرفٍ يبحث فيه المواطن عن لقمة كافية لإطعام أسرته، وبضعة ليترات من المازوت لتدفئة صغاره.

5- بروز الفساد كمتحكم في المفاصل الرئيسية للحياة الاقتصادية والاجتماعية. وإضافة إلى ما تكتشفه بعض الجهات المسؤولة، فإن ما يشاهده المواطن وما يسمع به، كبح كلّ أمل راوده يوماً بإمكانية الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

6- التعدي على القوانين، بدءاً من حرية المواطن، مروراً بتهديد سلامة المجتمعات المحلية وأمنها، وانتهاء بفرض قوانين خاصة وأعراف وتعليمات تخالف القانون العام، وتتناقض مع مصالح الوطن والشعب.

جميعها.. أسباب تثير غضب المواطنين السوريين الذين ما قصروا يوماً في دعم الوطن وجيشه في مواجهة الإرهاب، وقدموا تضحيات هائلة دفاعاً عن سيادة بلادهم، لكنهم (حصدوا) بعد 12 عاماً وما زالوا يعانون وضعاً معيشياً كارثياً، يقابله على الطرف الحكومي فقدان لأي مبادرة جدية لتحسين أوضاع المواطنين، بل على العكس تماماً، إذ شكلت القرارات الحكومية الأخيرة برفع أسعار حوامل الطاقة والمشتقات النفطية بداية لرفع الدعم الحكومي بصورة تامة، وترك المواطن السوري لأسياد السوق الحر.

لكننا وفي الوقت ذاته، حذرنا وحذر غيرنا أيضاً- من خطورة أخذ الاحتجاجات السلمية المشروعة بعيداً عن دوافعها، خاصة بعد أن لجأت الإدارة الأمريكية مؤخراً إلى تغيير قواعد السلوك الأمريكي إزاء الأزمة السورية.

الأمريكيون.. من خلال سيناريو التصعيد، يخططون لحل الأزمة السورية بطريقتهم، خاصة بعد أن رفعوا العصا الغليظة في وجه من دعا إلى دعم سورية من أشقائنا العرب، وحيدوا الأصوات الداعية إلى مساعدة سورية في إنهاض اقتصادها، ودعم قطاعاتها المنتجة.

إنه يسعون ومن خلال تدعيم احتلالهم العسكري ورفع مستوى التسليح في قواعدهم، ودعم حلفائهم في (قسد) بمزيد من الأسلحة الحديثة واللوجستيات، وتطويع شباب العشائر السورية في مليشيات حليفة، يسعون إلى الحل الأمريكي للأزمة السورية، بتقسيم سورية إلى (كانتونات) في المنطقة الشرقية والشمالية والجنوبية.. وتنقل بعض المحطات الإعلامية الدولية والعربية بعض التفاصيل عن تحويل قاعدة التنف إلى ترسانة عسكرية كبيرة، وتزويدها بجميع الاحتياجات اللازمة للتدخل المباشر وغير المباشر، وكي يكتمل المشهد الذي خططت له الإدارة الأمريكية، فهي بحاجة إلى فرص في الداخل السوري يمكن استغلالها للتدخل وإثارة الفتن، وقد مهدت لهذا الأمر بتنشيط تجمعات المعارضين المقيمين في الولايات المتحدة، وإرسال أعضاء الكونغرس إلى المنطقة الشمالية والشرقية، وتكليف منصات إعلامية معروفة وغير معروفة البدء بالقصف الإعلامي.

إن حجر الزاوية في مشروعية الاحتجاجات اليوم هو طابعها السلمي، وعدم السماح باستغلالها لصالح من يسعى إلى استحضار سيناريوهات الفتنة، فقد قاسى السوريون طويلاً، وفقدوا الأحباب والأبناء، وهُجِّروا وخسروا ما يملكون، ولا يحتاجون اليوم إلى منح الأمريكي فرصاً لاستحضار حمامات دم جديدة.

في الاحتجاج السلمي لا تُرفع إلا أعلام الوطن.

في الاحتجاج السلمي لا تهاجَم مقرّات الأحزاب.

في الاحتجاج السلمي لا نُبرّئ الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي من المعضلات الاقتصادية والمعيشية التي يعانيها السوريون، هكذا نفهم الاحتجاجات السلمية.

العدد 1105 - 01/5/2024