واشنطن وطهران في محاولة لتبريد ملفات المنطقة

د. نهلة الخطيب:

في ذروة الحملة الأمريكية الإسرائيلية ضد إيران وحشد المزيد من التعزيزات العسكرية وسعي واشنطن ولأول مرة إلى حشد جنود مشاة على أسطح الناقلات النفطية والتجارية والقطع البحرية في منطقة الخليج لمواجهة تهديد إيران للأمن الاقليمي والدولي، وفي الوقت الذي ينفذ الحرس الثوري الإيراني مناورات عسكرية قد تصل إلى حرب ضروس في المنطقة، وبخطوة قد لا تكون مفاجئة كانت يجب أن تنجز قبل ثلاثة أشهر إبان زيارة سلطان عمان إلى طهران، أُعلِن عن صفقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، برعاية عمانية وقطرية، تشمل الإفراج عن خمسة سجناء أمريكيين مقابل خمسة مليارات من أموال إيرانية مجمدة منقولة من بنوك كوريا الجنوبية والعراق إلى البنك المركزي القطري، وهناك نقطة خلافية فالسلطات الأمريكية تقول إن هذه الأموال سوف تصرف تحت رقابة مشددة من قبل الخزانة الأمريكية على استيراد المواد الغذائية والأدوية، ولن تصرف في المجالات الخاضعة للعقوبات الأمريكية، وحسب ما قال بلينكن: (إن الصفقة لن تكون على حساب العقوبات الأمريكية، ومواجهة زعزعة إيران للاستقرار في المنطقة)، بينما السلطات الإيرانية تقول إن لها حرية التصرف بهذه الأموال وفقاً لما تقضيه احتياجاتها ومصالحها القومية، فهل سيغير هذا الاتفاق من طبيعة المواجهة الحادة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؟

هو اتفاق يعبر عن نجاح الدبلوماسية والحوار ضد تصعيد التوترات والحروب لحل مشاكل المنطقة، وربما يعبر عن فشل السياسة الأمريكية اتجاهها، وإن لم يُتوصل إلى اتفاق تام وشامل بين الطرفين، فالعلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية متوترة منذ 40 عاماً، ولم يكن أي اتفاق بين واشنطن وطهران منذ 2018، فهناك ملفات ملتهبة كالملف النووي، والملف المتعلق بالوجود الإيراني في سورية والعراق واليمن، وأمن الخليج العربي، وقد يكون هذا الاتفاق حلاً لفتيل التوتر في المنطقة ولكن بشكل مؤقت، وخاصة أن كلا الطرفين لديه أسبابه وأهدافه الداخلية للوصول إلى تسوية، فإيران تعيش ضغوطاً اقتصادية هائلة وتهدف لحل أزمتها الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ أربعة أعوام، إذ وصل معدل التضخم إلى 40% ومعدل البطالة 20%، أما الولايات المتحدة الأمريكية فتعتبر الإفراج عن سجناء أمريكيين مكسباً سياسياً، وخاصة أننا على أبواب انتخابات رئاسية ساخنة جداً وسط انتقادات شديدة لإدارة بايدن، هذا الاتفاق جاء نتيجة جهود مضنية منذ وصول بايدن إلى السلطة من سنتين ونيف، إذ عمل على إعادة رسم هذا الملف والتواصل مع إيران من خلال وسطاء إقليميين، ذلك أن الظروف الدولية الراهنة، الحرب الروسية الأوكرانية، وهزيمة الامريكيين في أفغانستان والعراق وسورية واليمن، هذا كله يستدعي التفكير بأعصاب باردة وعدم حرف البوصلة إلى مكان آخر، مرة أخرى، وتفجير المنطقة وما يترتب عليه من تداعيات كارثية على الوجود الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، الذي يبدو في الوقت الحاضر ضرورة استراتيجية بالغة الأهمية في الصراع مع روسيا والصين.

قد يكون الاتفاق بداية مبشرة لمرحلة التطبيع بين الطرفين وإيجاد حلول لملفات أخرى وتوقف الملف النووي الإيراني مؤقتاً، وتخفيض إنتاج اليورانيوم المخصب والمخزون النووي في خطوة إلى تخفيف التوتر مع واشنطن مع ظهور ليونة وانفتاح أوربي- أمريكي للحوار مع إيران، وقد يكون هذا الاتفاق جزءاً من اتفاقات أوسع ربما ستظهر لاحقاً وتنفذ بشكل مجَدْول، وهذا ما تظهره حجم الأموال المفرج عنها من البنوك الكورية والعراقية، التي لا يمكن أن تكون فقط للإفراج عن السجناء الخمسة، وربما هناك اتفاقيات سرية يفصح عنها مستقبلاً.

ربما يكون هذا الاتفاق بداية لبناء الثقة والتفاهم بين الطرفين الأمريكي والإيراني، ويجب ألّا نراهن عليه كثيراً، فهناك ملفات شائكة وتحديات قد تفشله، فمنذ فترة سمعنا أن هناك مناورات عسكرية بين الطرفين الأمريكي والإسرائيلي تحاكي ضربات لمفاعلات نووية إيرانية، على الرغم من وجود خطاب أمريكي يسعى للحوار، ولكن هناك استعداد لقيام إسرائيل بضربات عسكرية للمواقع الإيرانية، لأن إسرائيل بحكومتها المتطرفة ليس لديها مصلحة بأي هدوء في المنطقة، إذ تحاول منذ وصول بايدن للسلطة إفساد أي تقارب أمريكي إيراني وتحاول تعطيل المفاوضات بفيينا والدوحة، فهي المسؤولة عن وصول إيران إلى هذا المستوى من التخصيب. ففي عام 2015 كان مستوى التخصيب الإيراني أقل من 4% ولمدة 3 سنوات كانت إيران ملتزمة بتعهداتها اتجاه وكالة الطاقة الذرية، إسرائيل هي من دفعت ترامب للخروج من الاتفاقية وأدى إلى ما نحن فيه الآن. والتحدي الآخر متعلق بالحروب بالوكالة، فهناك وجود لإيران في أكثر من ملف في العراق وسورية واليمن، وهناك شبه مواجهة عسكرية بين وكلاء إيران والقواعد العسكرية الأمريكية بالمنطقة، فضلاً عن أن توازنات العالم في حالة تغيير متسارع، وإيران جزء من الاستراتيجية التي تعمل على إلغاء القطبية الأحادية، وأن التعاون العسكري بين روسيا وإيران في أعلى مستوياته، فقد تأكد تسلم إيران من روسيا أسلحة أطلسية متطورة مصادرة من أوكرانيا، إضافة إلى أن معظم المسيرات التي تستخدمها روسيا في الحرب على أوكرانيا تأتي من إيران، فهناك دعم عسكري وتحالف استراتيجي بين روسيا وإيران بأعلى مستوياته، وهناك حسابات أخرى: الحرب الروسية الأوكرانية، وتمدّد الصين في الشرق الأوسط وعلاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، مما أدى إلى تصاعد القلق بالنسبة للإدارة الأمريكية لأن الصين تشكل التهديد المستقبلي للنظام الدولي.

نحن أمام فرصة تاريخية من حسن النية حول خفض التوتر والتصعيد بالمنطقة، فهل ستقوم إيران بخفض مستوى علاقاتها مع روسيا والصين من أجل إرضاء واشنطن؟؟ نحن في مرحلة جس نبض ويجب أن نرى نتائج هذا الاتفاق على المنطقة في الأيام القادمة وهي ستأتي تباعاً وتشمل خارطة الصراع فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن.

العدد 1107 - 22/5/2024