هل كان ضرورياً عقد جلسة استثنائية لمجلس الشعب لتمرير رسائل الحكومة تحت قبة المجلس؟

هل كانت مقنعة؟

(النور):

لن نتكلم هنا عن ارتفاع سقف الآمال لدى غالبية الشعب السوري الذين وجدوا أنفسهم في هاوية الفقر بعد اثنَي عشر عاماً من الجمر، إثر الإعلان عن عقد هذه الدورة، فمنطق الأمور يدفع إلى أن هناك موجبات هامة وعاجلة تستدعي عقد جلسة استثنائية للسلطة التشريعية.

كذلك لن نصف الخيبة التي عصفت بهم بعد الإعلان عن مخرجات هذه الدورة (الاستثنائية).

لكننا سنتوقف قليلاً عند الرسائل الواضحة التي تضمنتها كلمة السيد رئيس مجلس الوزراء:

1- إن انخفاض الإيرادات العامة ليست مسؤولية حكومة السيد عرنوس، ولا الحكومات المتعاقبة منذ بداية الأزمة والغزو الإرهابي فقط، فالفريق الاقتصادي خلال عقد ما قبل الأزمة عمل على تهميش، بل إفشال جميع القطاعات الاقتصادية العامة، وبضمنها القطاع العام الصناعي والمشاريع الزراعية الحكومية، وحتى المرافق العامة كالموانئ، ضمن توجه ليبرالي يهدف إلى تسليم مفاتيح الاقتصاد السوري إلى الرأسمال الريعي، وهكذا ومنذ بداية الأزمة توارت الشركات (القابضة) وهُرّبت الرساميل، واستقبلت بلادنا تداعيات الغزو والحصار والعقوبات بهياكل اقتصادية هشّة، وجاء الاحتلال الأمريكي بمساعدة حلفائه ليحرم سورية من أكبر مصدر للإيرادات العامة وهو النفط. الضرائب وحدها لا تكفي (في الحالة السورية) لتمويل نفقات الدولة، فكيف سيبدو المشهد إذا كانت هذه الضرائب والرسوم، وخاصة غير المباشرة منها، وهي النسبة الأكبر، تخرج من جيوب الفئات الفقيرة والمتوسطة، في الوقت الذي لا تشكل فيه الضرائب على الأرباح والريوع أكثر من 30% من مجموع الإيرادات الضريبية؟ لقد ساهم القطاع العام بنحو   35% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011، رغم محاولات تخريبه وعدم تطويره.

2- ما عجزت الحكومات المتعاقبة عن القيام به منذ بداية الأزمة، ومنها الحكومة الحالية، هو ضبط الموارد وتوزيعها وفق الأوليات، وأيضاً وفق مبدأ العدالة، ومساعدة ما بقي من القطاعات المنتجة على استمرار إنتاجها في ظل تداعيات لم يشهدها أي من الاقتصادات في الدول النامية، فاستسهلت هذه الحكومات اللجوء إلى استيراد كل شيء عبر حزمة من المستوردين (نظراً لمقاطعة مؤسسات الحكومة السورية الخارجية)، ففقدت تلك الحكومات أدوات التأثير في أسعار هذه المستوردات، وأصبح المواطن السوري وحيداً أمام حيتان كبار يتحكمون بلقمته ودفئه ودوائه! وجرى ذلك في الوقت الذي كان الأمر يتطلب وقف استيراد جميع الكماليات التي كانت ومازالت متوفرة في الأسواق، وتمويل جميع القطاعات العامة والخاصة المنتجة في الصناعة والزراعة لتحفيز زيادة الإنتاج، وتوفير القطاع الأجنبي.

3- حاولت الحكومات المتعاقبة خلال سنوات الجمر توجيه رسائل إلى المجتمع الدولي بأن سورية رغم غزو الإرهابيين ومجازرهم، وقساوة الحصار وتداعياته، مازالت أسواقها زاخرة بجميع السلع الأساسية والكمالية، ولم تلجأ الحكومات قطّ إلى التدخل في سوق القطع الأجنبي، ولم تتخذ الإجراءات المعهودة في حالة الحروب، وأهمها الحفاظ على العملة الوطنية، ومنع المضاربين في الأسواق السوداء من تدمير الاقتصاد الوطني، بل جارت هؤلاء المضاربين في وقت من الأوقات، وضخّت ملايين الدولارات في الأسواق، ليتلقفها تجار العملة، ويعودون إلى رفع سعر القطع الأجنبي.

4- الدعم الاجتماعي للفئات الفقيرة موجود في أوقات السلم حتى في الدول الرأسمالية، وكانت سورية ذات الاقتصاد الاشتراكي المخطط بموجب الدستور الذي كان سارياً حتى عام 2012، سبّاقة إلى السير في طريق تحقيق العدالة الاجتماعية، ونجحت بالاستناد إلى مبدأ الدعم الحكومي للفئات الفقيرة في عدم توسيع الهوة أكثر فأكثر بين الفئات الثرية.. القادرة، والطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وجميع متلقي الأجور.. هذا في زمن السلم، فكم هو ضروري ومصيري زيادة هذا الدعم وإيصاله فعلياً إلى مستحقيه في زمن الحرب والأزمات التي حولت نحو 85% من السوريين إلى خانة الفقر!

إن التخلي عن الدعم الاجتماعي للفئات الفقيرة اليوم لا يمكن تفسيره إلا بأنه ضربة موجهة إلى أكثرية الشعب السوري الذي يشكل العامل الرئيسي في صمود جيشنا الوطني في مقاومة الاحتلال واستعادة السيادة على كل شبر من الأرض السورية.

لقد ربط حزبنا، الحزب الشيوعي السوري الموحد، منذ مؤتمره الثالث عشر حتى اليوم، بين استمرار الصمود السوري، وتأمين مستلزمات هذا الصمود، وفي مقدمة هذه المستلزمات دعم الفئات الفقيرة التي وقفت.. وستبقى واقفة، جنباً إلى جنب مع جيشنا الوطني في مقاومة الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي.

5- لا نعلم لماذا خيّر السيد رئيس مجلس الوزراء شعبنا بين دعم الإنتاج الوطني، والسيطرة على سوق القطع الأجنبي والحفاظ على الليرة السورية! علماً أن دعم وزيادة الإنتاج يتطلب سيطرة الحكومة على أسواق القطع، ومنع تدهور العملة الوطنية، إذ تؤدي المضاربة وتأرجح سعر القطع إلى تعقيد عمليات الإنتاج، وترفع من تكاليف السلع المنتجة ونقلها، وتصديرها، والمتضرر الأكبر من عدم الجمع بين الأمرين هو المواطن والمنتج السوري!

التركيز على أحد الاستحقاقين لا يكفي يا سيادة رئيس مجلس الوزراء، بل من الضروري بذل الجهود لتحقيقهما معاً، إذا كنا جادّين بدعم الإنتاج.

6- أما عن تمويل تكاليف الدعم الاجتماعي، فلا نراه مصيباً عن طريق عجز الموازنة، بل الأجدى أن يأتي من جباية حق الدولة من أثرياء الحرب، والمتكسّبين منها، والذين أثْروا باستغلالها، وكبار الفاسدين الذين (حلبوا) الدولة والشعب، ومازالوا يشكلون حصان (طروادة) لكل مسعى أمريكي لتأبيد الأزمة السورية.

أخيراً.. هل كان من الضروري عقد جلسة استثنائية لمجلس الشعب لإيصال رسائل الحكومة؟

كان من الأفضل لو عقد السيد رئيس مجلس الوزراء مؤتمراً صحفياً لإعلان هذه الرسائل.

وهل كانت رسائل الحكومة مقنعة لدى فئات الشعب السوري؟

تكفي نظرة واحدة إلى ردود الأفعال في الصحف ووسائل التواصل لمعرفة الجواب.

العدد 1105 - 01/5/2024