الحروب الذكية.. الموت القادم من (غوغل)!

فادي نصار:

كشف صاحب موقع (ويكيليكس) الأسترالي الذي اعتقلته مؤخراً بوقاحة الاستخبارات البريطانية، في كتابه الذي أصدره عام 2014 تحت عنوان (عندما قابلت غوغل ويكيليكس)، عن العلاقة العميقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وشركة (غوغل)، راوياً أن المدير التنفيذي لشركة غوغل (إيريك شميت) عندما قابله عام 2011، اصطحب معه اليهودي (جاريد كوهين)، الذي زار ذات مرة مخيم (المية ومية) للاجئين الفلسطينين في لبنان، بصحبة اللواء منير مقدح من حركة (فتح) وسأل الشباب في المخيم، حينذاك: أي وسائل التواصل الاجتماعي يفضلون، وأي نوع من البنات يرونه جذاباً!

لا غرابة في ذلك السؤال، ما دام جاء من رجلٍ يُوصف بأنه مهندس الديمقراطية الرقمية، والثّورات المخملية، ومستشار مُقرّب لكل من (كوندوليزا رايس) وبعدها (هيلاري كلنتون)، ومادام جاء السّؤال من سياسي أمريكي يعتبر نفسه سفيراً لليهودية الصهيونية أينما حلّ وارتحل، وهو من قاد وفوداً للتكنولوجيا، عملت بجدٍ على ربط كبار التنفيذيين في شركات التكنولوجيا مع الزعامات المحلية في العراق، سورية، روسيا، المكسيك والكونغو، بحجة تطوير مبادرات حديثة ومبتكرة. وهو الذي ساعد، منذ نيسان أبريل 2009، في تطوير ما صار معروفاً باسم (صناعة الدول في القرن 21)، كما تدخّل بطلبٍ من وزارة الخارجية الأمريكية لدى مؤسس موقع تويتر، (جاك دورسي)، للإبقاء على خدماته في إيران، وبرّر ذلك بالأهمية التي يُعلقها الأمريكيون على ما تقدمه المنابر الإعلامية الغربية من مصادر معلومات مقربة من المعارضة.

(كوهين) صاحب المقولة الشهيرة: (إن اليوتيوب هو أفضل من أي مخابرات يمكن أن نحصل عليها لأن مواده توضع من قبل المستخدمين أنفسهم)، زار سورية في خريف 2010، (قبل اندلاع الأحداث بأشهرٍ معدوداتٍ، ممثلاً لوزارة الخارجية الأمريكية، على رأس وفد من شركات التكنولوجيا الأمريكية (إنتل، غوغل…وغيرها). وجال حينها على عددٍ من الجامعات، وطالب الحكومة السورية بإلغاء الحجب المفروض على مواقع الشبكات الاجتماعية.

النتيجة الأولى: إنَّ الإرهابين لم يدخلوا إلينا، فقط عبر الحدود البرية والبحرية، ولم يسقط علينا الإرهاب من السماء، وإنّما عدوّنا موجود في الفضاء الإفتراضي.

أما في كتابه الثاني (ملفات ويكيليكس: العالم كما تراه الإمبراطورية الأمريكية)، وتحديداً في الفصل الذي يردُ فيه ذكر سورية، فقد عرّى (أسانج) الدور الأمريكي في الحرب على سورية، من خلال الكشف عن برقيةٍ أرسلها (السّفير الأمريكي (وليام روبوك)، من دمشق عام 2006، تضمنت مخطّطاً للإطاحة بالحكم في سورية يتلخّص في دعم المعارضة السّورية عبر وسائل الإعلام واستخدام عدد من العوامل لإثارة الذّعر بين أعضاء القيادة السّورية يدفعهم لرد فعل مبالغ فيه، ولزرع الخوف من حدوث انقلابٍ ليستخدموا سلطتهم ضد المتطرفين).

كما أشار صاحب موقع ويكليكس في كتابه الثاني إلى رسالة كان قد أرسلها جاريد كوهين مقترحاً فيها على فريق (هيلاري كلينتون) عام 2012 خطة لتأليب الرّأي العام في سورية قائلاً: (فريقي سينشر أداة لنشر وتعقّب المنشقّين، وإبراز المواقع الحكومية التي ينتمون إليها)، ومن أجل نشر الخرائط بين أوساط السّوريين، مضيفاً أنَّ (غوغل) خطّطت حينذاك لتسليم الخرائط، حصرياً إلى شبكة (الجزيرة) لعرضها على الرأي العام.

 

لا يمكن لأحد أن ينكر أنَّ (ويكليكس) فضحت بشكلٍ أو بآخر البُعد الاستعماري لسياسات بلاد (العم سام) الشرير وحلفائها، في المنطقة، وأنَّها فتحت أبواب العالم على مفهوم حروب الجيل الرابع والخامس، بل وضعتنا أمام نموذج جديد للصراع يقوم على أساس أن المعلومات – وليس القوة العسكرية – هي وقود الحرب، وأنَّ أجهزة الاستخبارات التابعة للدول الاستعمارية، ابتكرت لذلك أدواتٍ جديدةٍ وطورتها، فزرعت ملايين الكاميرات والميكرفونات عبر تويتر وفيسبوك وواتس أب وكل وسائط التواصل الاجتماعي الأخرى، كما شجعت لخدمة مصالحها على انتشار ثقافة التسطيح الفكري، الميوعة والعهر الفكري (سربت (ويكليكس) وثيقةٌ خاصة عن دعمٍ طلبته قناة تلفزيونية لبنانية، من السعودية بقيمة 20 مليون دولار قلّصتها المملكة لخمسة ملايين. مؤكدةً أن (الدعم الموجه لأي وسيلة إعلامية خارجية ينبغي أن يخدم سياسة المملكة ومصالحها)) وصولاً الى تشويه الحقائق، وللتغطية على نهبها لثروات الشعوب الفقيرة حول العالم.

النتيجة الثانية:

صحيح أن الحروب الجديدة بمفهومها وأدواتها مُختلفة تماماً، عن الحروب التقليدية، فهي تعتمد على الرأي العام، الإعلام، عمل أجهزة الاستخبارات، الوقت والمرونة، لكن النتائج واحدة تتمثل بتدمير وتفتيت الدول، إغراق الشعوب بمزيج من الألم والخوف، وتحويل البشر إلى قطعان من الذئاب يلهثون يومياً لتأمين لقمة عيشهم، تحكمهم المصالح فيتناحرون فهل ستدفن الحروب الذكية الحياة فينا، أم سيبقى على هذه الأرض ما يستحق الحياة؟

العدد 1107 - 22/5/2024