ترامب في مواجهة بايدن في الاستحقاق الرئاسي القادم

د. نهلة الخطيب:

بدأت الاستعدادات لسباق الانتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في عام 2024، وأطلق عدد كبير من المرشحين إعلانات ترشّحهم وخاصة مرشحي الحزب الجمهوري تحت شعار (حلفاء الماضي.. منافسو المستقبل)، إذ أُعلن عن ما يزيد عن 10 مرشحين للانتخابات التمهيدية للحزب ضد المرشح المنتخب من الحزب الديمقراطي، وبدؤوا جولاتهم التمهيدية التي أعطت نتائج تمهيدية مبكرة، رغم أن المناظرات الأولية للأحزاب لن تبدأ حتى 23 آب في ولاية ويسكونسن، والانتخابات التمهيدية والمؤتمرات الحزبية الأولى حتى أوائل العام المقبل.

يتنافس على السلطة حزبان رئيسيان: الحزب الجمهوري الذي يتبنى النظرية الواقعية وأن القوة العسكرية هي الأساس وأن أمريكا أولاً، والحزب الديمقراطي الذي يتبنى النظرية الليبرالية ويهتم بالقضايا الداخلية والاقتصاد والتنمية وقضايا المرأة والصحة وحقوق الإنسان، والحزب الحاكم حالياً هو الحزب الديمقراطي. وتحظى الانتخابات الرئاسية بالتنافس الحاد بين طرفي المعادلة السياسية الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وخاصة بعد ظهور التيار اليميني الشعبوي بقيادة دونالد ترامب وهو المسيطر على الحزب الجمهوري، ويراه الديمقراطيون مصدر تهديد لاستقرار البلاد وخاصة بعد رفضه نتائج انتخابات عام 2020، ومحاولته الانقلاب على الانتخابات واقتحام مبنى الكونغرس عام 2021، وتوجهاته المعادية للتنوع العرقي والثقافي والحريات الشخصية والجنسية، فقد نجح ترامب في خلق ظاهرة الترامبية التي يفوق عدد أتباعها خمسة وسبعين مليون لم يفتر حماسهم إلى الآن بل تضاعف بعهد ولاية جو بايدن البالغ من العمر 80 عاماً، والذي يواجه تحديات كبيرة هو وحزبه، فقد انخفضت نسبة تأييده وشعبيته بصورة تدعو للقلق ووصلت إلى 38% وهي مرتبطة بتراجع الأوضاع الاقتصادية الداخلية وارتفاع الأسعار، وعجزه عن كبح جماح التضخم وطريقته في التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية التي فُرضت على روسيا والتي أثرت بشكل كبير على ارتفاع أسعار الغاز والذي لن يتغير في المستقبل القريب حسب محللين اقتصاديين.

تميزت تحضيرات الاستحقاق الرئاسي لعام 2024 بحالة ازدحام لم تشهدها البلاد من مرشحي الحزب الجمهوري، وتعدد المرشحين غالباً ما يفتت الأصوات ويضيع الفرص، اذ ترشح للانتخابات الرئاسية مايك بنس، رون ديسانتس، نيكي هارلي، تيم سكوت، وفافيك راوسوميري وآخرون، ورغم افتقار أغلب المرشحين بالقدر نفسه لأي فرصة للفوز ورغم انتمائهم للحزب نفسه، فإنهم يعملون على إظهار الفروق بينهم اتجاه مختلف الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتميزت تصريحاتهم بالهجوم الشديد على المرشح الأكثر حظاً  دونالد ترامب الذي أعلن عن ترشحه في شهر11 الماضي وأكد أنه سيعمل على منع جو بايدن من الفوز بعد أن خسر أمامه في انتخابات عام 2020.

ووفقاً لاستطلاعات الرأي لانتخابات تمهيدية مبكرة، فقد فاز ترامب بأصوات 55% من المصوتين وديسانتس 22% في حين لم ينل أي مرشح نسبة 5% ومنهم مايك بنس، ويراهن المرشحون على التطورات التي حصلت لترامب فيما يتعلق في القضاء الفيدرالي الذي يوجه للمرة الأولى تهمة الى رئيس أمريكي بخصوص ملفات سرية للبيت الأبيض بعد اعترافه بذلك، وبالأخص ديسانتس الذي قال: (أنا سأعتمد على احتمال إدانة ترامب بأحد الملفات الجنائية، حينئذٍ فقط سيبتعد ترامب عن الساحة الانتخابية وحينئذٍ سيكون لدي فرصة للفوز)، وإن كان ذلك لا يمنعه من الترشح، ومايك بنس الذي كان نائباً لترامب لا يملك الكاريزما ولا الشخصية يقف الآن ضد ترامب، وقدم نفسه بأنه (مسيحي محافظ ويتبنى العديد من سياسات ترامب ولكن دون إحداث مشكلات)، إذاً إن لم تتحقق إدانة دونالد ترامب فسيبقى هو المرشح الأفضل للجمهوريين.

هناك حالة انقسام حاد في الولايات المتحدة الأمريكية ليست فقط بين الجمهوريين والديمقراطيين وإنما داخل الحزبين نفسيهما، وهناك صراع قيم حول المثليين والإجهاض وصراع هويات حاد وهذا يعزز حالة الانقسام، هذا يعني أن القاعدة الشعبية منقسمة داخل الحزب الجمهوري. وجود ترامب في السياسة الأمريكية ظاهرة جديدة لا تعتمد على سياسته ولا شخصيته ولو كان هناك شخص أخر ارتكب هذه الأخطاء والمخالفات لما كان تمكن من الفوز، ولكن هناك الآن في الحزب الجمهوري توجه شعبوي يميني متطرف، ينظرون إلى ترامب كقائد لا يخطئ ويصدقون كل ما يقوله، وهذه مشكلة كبيرة للحزب الجمهوري لأنهم ليسوا الأغلبية ضمن الناخبين، ولكنهم على الأغلب سوف يشقون الحزب. فعند فشل الحزب الجمهوري بالانتخابات في عام 2020 تسبب في التصدع داخل الحزب وحاول ترامب أن ينشئ حزبه الجمهوري الخاص لكنه فشل. لا أحد من المرشحين يمكنه أن يكسب حتى لو لم يوجد دونالد ترامب في الانتخابات، هذا الكلام ربما يبني على الإشكالية التي رافقت ولاية ترامب بالأخطاء التي ارتكبها والتي ساعدت في فوز بايدن، وهذا لا يعني أن بايدن خلال فترة حكمه لم يرتكب أخطاء قد تساعد الجمهوريين على الالتفاف حولها.

إن بقي ترامب مرشحاً للحزب الجمهوري فلن يفوزوا في الانتخابات المقبلة لأن ترامب خسر الانتخابات أمام بايدن وهو رئيس، عندما تشتد الحملة الانتخابية سوف تتضح الأمور للناخب الأمريكي والناخب الجمهوري وحتماً ترامب ليس مرشحاً فائزاً، لذلك فإن الحزب الجمهوري في هلع من خسارة الانتخابات المقبلة ولن يستطيعوا وإن لم يتمكن ترامب من الفوز فإن المرشحين الآخرين غير قادرين على أن يجمعوا القدرة الانتخابية لكي يهزموا المرشح الديمقراطي.

فالحزب الجمهوري بحاجة إلى إعادة النظر في سياساته وفي مرشحيه لأن التوجه إلى اليمين المتطرف لن يجعلهم قادرين على الفوز، ترامب يميني متشدد وديسانتس أصبح متشدداً أكثر من ترامب وهو الأكثر خطراً على ترامب، وهذا يتناقض مع مزاج الناخب الأمريكي.

حالياً هناك صمت رهيب من الحزب الديمقراطي رغم إعلان جو بايدن نيته بالترشح، وفرصه كبيرة للفوز بدورة رئاسية ثانية برغم وجود بعض المعارضين له بسبب تقدمه بالسن وحالته الصحية والذهنية، وأبرز منافسيه في الحزب أليزابيت وارن وجافين نيوسوم بيت بوتيجيج وكاميلا هاريس في حال لم يترشح بايدن، ولكن التقاليد داخل الحزب الديمقراطي تقتضي أنه إذا أبدى الرئيس نيته بالترشح بات على الجميع الالتفاف حوله، وعادة لا يوجد منافسة في الانتخابات التمهيدية.

هناك أهداف ونتائج أخرى للترشح، فقد تكون فرصة للظهور الاعلامي تخدم أهدافاً أخرى بعيداً عن الرئاسة، أو النية لتولي مناصب رفيعة في إدارة منافسيهم أو لأهداف أخرى دعائية، ويقول المرشح الجمهوري مايك هاكابي عن خوض سباق الترشح وهزيمته مرتين (إنها وسيلة للترويج الذاتي، وإن أفضل طريقة للترويج الذاتي هي الترشح للرئاسة).

العدد 1107 - 22/5/2024