مسيرة الإنسان.. وإلى أين؟

عبد الحي عباس:

ظهرت الحياة على الأرض منذ أكثر من ٣،٥ بلايين سنة، وظهر الإنسان منذ نحو ٢،٥ مليون سنة.

يولد الإنسان ضعيفاً يحتاج إلى عناية أمه لفترة طويلة وقد لا تستطيع وحدها. انقرضت سلالات إنسانية وبقيت سلالتنا، وأخذ الإنسان شكله الحالي منذ نحو ١٥٠.٠٠٠ سنة. يتميز الإنسان بكبر حجم دماغه وهو يزداد بمرور الزمن، وأصبح يستهلك ٢٥٪ من القدرة الجسمية المستهلكة في حالة الراحة. تميز الإنسان أيضاً بسيره على قدمين مما حرّر يديه للقيام بأعمال أخرى. اكتشف النار وبدأ يستعملها منذ نحو ٣٠٠.٠٠٠ سنة كمصدر للدفء والضياء، ثم استعملها لحرق جيرانه عند الاختلاف معهم في الحصول على الطعام، استعملها بعد ذلك للطبخ مما أمّن له مصدراً لطعام لم يكن يستطيع أكله من قبل.

كان الإنسان البدائي يعيش في مجموعات مختلفة الحجم، إذ كان ذلك ضرورة حياتية: يتوازع أفراد المجموعة الأعمال الضرورية للبقاء، وكان في المقدمة الرجال الأقوياء الذين توكل إليهم عملية الصيد.

ازداد حجم عقل الإنسان واكتشف التواصل باللغة منذ نحو ٥٠،٠٠٠ سنة. كانت قبل ذلك لحفظ الحياة كما في بقية الحيوانات إلا أنها لدى الإنسان أصبحت لنقل المعلومات واللغو، ثم اكتشفت الكتابة وكانت تلك قفزة كبيرة، إذ أصبح قادراً على تسجيل معلوماته كتابة تنتقل إلى الجيل القادم ليزيد فيها، مما أعطى العلم صفة تراكمية أكسبته تسارعاً كبيراً أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.

أين نحن اليوم؟

نحن في مرحلة من العلم ما كان الإنسان ليحلم بها حتى منذ أمد قريب. الصفة التراكمية المتسارعة أعانت العلم على القيام بقفزات كبيرة غير متوقعة. يُعتقد أن ما اكتسبه العلم خلال الـ٥٠ سنة الأخيرة يعادل ما اكتسبه منذ بداياته والقادم أسرع. أهم ذلك أنه استطاع أن يفتح صندوقين كانا مقفلين لخطورة ما فيهما:

الصندوق الأول هو صلة المادة بالطاقة، والتقاؤهما في وحدة البناء المشتركة بينهما، وإمكانية إفلات الطاقة المضغوطة في المادة بكميتها الهائلة التي وصفها أينشتاين في معادلته الشهيرة منذ نحو قرن، وبعد فترة جد قصيرة استُعملت تلك الطاقة في قنبلة ذرية دمّرت الحجر والبشر.

والصندوق الثاني هو البنية الوراثية لجسم الإنسان، وفيها سرّ الحياة، اكتشفها واكتشف إمكانية التحكم بها، ويُظن أن هنالك دور أبحاث لتصنيع سلاح فيروسي يستند على تلك المعلومات، ربما أصبح موجوداً، ويقال إن جائحة كورونا التي عمّت الأرض وقتلت الملايين كانت نتيجة تسرب غير مقصود من أحد تلك المراكز.

يبدو أن سرعة هذا التطور في العلوم كانت أكبر وأسرع من أن يتمكن التطور السلوكي الأخلاقي القيَمي أن يسايره، واقياً الإنسانية بذلك من التعرض للمصائب الناتجة من العلم المنفلت. علومٌ تسير بسرعة مذهلة وتنتج باستمرار أسلحة أشد فتكاً وسلوكٌ تقوده عالمياً المصلحة القبلية ومحلياً المصلحة الشخصية. جنود اليوم هم صيادو الأمس بسلاح فتاك. هل كانت طفرة داروين، التي نقلتنا من القردة لنكون أصلح للحياة، طفرة خاطئة ستؤدي إلى فناء الجنس البشري كما فني الكثير من الأجناس؟ أم ما زال هنالك أمل في تصحيح المسيرة؟ يقول توينبي: الإنسان هو أول نوع كسر قانون الانتخاب الطبيعي إلى ما ينتخبه هو، وبذا سيقضي على نفسه. ويقول آينشتاين ما معناه إن التطور العلمي الحديث يتطلب تطويراً للقيم الأخلاقية. ويقول ستيفن هاوكينغ الفيزيائي الحديث الشهير: من الممكن جداً أن تدمرنا اكتشافاتنا الحديثة.

هل فات الأوان.. وعلى البشرية السلام؟

كارين أرمسترونغ، الكاتبة الإنكليزية الشهيرة، تكلمت عن هذا الموضوع وأسست مع آخرين مؤسسة (ميثاق التراحم) عام ٢٠٠٨ وفيه تدعو إلى نشر التراحم بين الناس جميعاً دون تمييز، والتراحم سلوك تتوافق عليه كل المعتقدات، وهو يمنح سعادة للجهتين، كما أثبتت الأبحاث في جامعة ستانفورد. لاقت الفكرة قبولاً، وانتشرت المؤسسة سريعاً، وتوسع نشاطها في اتجاهات مختلفة، وأصبح السلوك التراحمي علماً تُدرسه ستانفورد وتجري أبحاثاً عنه. أدعو أصدقائي جميعاً الانضمام إلى هذه المؤسسة، ولا يتطلب ذلك سوى الدخول على الإنترنيت (ميثاق التراحم) وبأية لغة دون أية كلفة مادية. معذرة لتكرار طلبي هذا، هدف المؤسسة هو جمع القوى الخيرة في مختلف المجتمعات علها تصبح يوماً أكثر تأثيراً.

ربما يكون من المفيد أن يطلب من حملة الدكتوراه في علوم معينة لها علاقة بالأسلحة أن يُقْسموا عند تسلّمهم شهادة الدكتوراه إنهم سيمتنعون عن أي عمل يهدف إلى صنع أسلحة قاتلة، كما هو مطلوب من الأطباء. هدف العلم وتطوره يجب أن يكون زيادة السعادة في حياة الجميع، وإلا فقد العلم قيمته، وأصبح وسيلة للقوة والإثراء، ولم يعد مقياساً للتطور الحضاري.

وقد يكون من المفيد أيضاً أن تقوم منظمة الأمم المتحدة بوضع برامج تربية للأطفال تُدرّس في جميع دول العالم تهدف إلى الخلاص من التعصب القبْلي بكل درجاته، للون أو لدين أو لطائفة أو لقومية أو لوطن أو لمدينة أو لعائلة، فالإنسان أخو الإنسان والكلّ يُخلق سواسية، لا فضل لأحد بموقع ولادته ولا ذنب، وكل الأمم ساهمت في الحضارة الإنسانية في وقت أو آخر. برامج يضعها خبراء اجتماع وتاريخ وتتعهد جميع الدول بتدريسها.

تحياتي ومعذرة للإطالة!

(عن صفحة الكاتب في الفيسبوك)

العدد 1107 - 22/5/2024