الخيبة الأوكرانية والعودة لتكريس الانقسام الكنسي والشعبي

رزوق الغاوي:

في عودة خاطفة لاستذكار العوامل الشكلية للأزمة الأوكرانية في بداياتها الأولى، يُلحَظُ بوضوحٍ لا لبس فيه، عاملان رئيسيان، أحدُهما ديني داخليٌّ ذو طبيعة مرحلية تمثلت بافتعال انشقاق داخل الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية، أُوكِلَت رعايته لبطريك القسطنطينية (برتلماوس)، والثاني (سياسي/عسكري) ذو طبيعةٍ استراتيجية، تمثل بمطالبة الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تولت رعايته وتبنتهُ الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بهدف إحكام طوق الدرع الصاروخية الأطلسية حول روسيا الاتحادية ومحاصرتها عسكرياً واقتصادياً والنيل من سيادتها ومن دورها المتنامي على الساحة الدولية.

غير أن حساب (الحقل الأمريكي الغربي)، لم ينطبق على حساب (البيدر الروسي)، إذ قررت موسكو القيام بخطوةٍ استباقية تمثلت بالعملية العسكرية الروسية الخاصة التي أوصلت القوات الروسية إلى ضواحي العاصمة الأوكرانية (كييف) متجاوزة بذلك إقليم دونباس الذي تقطنه غالبية روسية ويضم جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك.

تطورات سلبية لم تكن تتوقعها كييف، سواءٌ على الصعيد الميداني الذي لم يأتِ لمصلحة الجيش الأوكراني، أو على صعيد الانحسار الجزئي للدعم العسكري الغربي لـ (كييف) والذي بات يشكل عبئاً اقتصادياً وينتج غضباً شعبياً على حكام تلك الدول الغربية التي سبق لها أن وعدت زيلينسكي بالاستمرار في تقديم الدعم الذي أثبت عدم فعاليته على أرض الميدان، وتالياً انعدام قدرة الجيش الأوكراني على مواجهة القوات الروسية.

تلك التطورات التي جاءت مخيبة لتطلعات زيلينسكي وطغمته النازية، جعلته يعود لتكريس الانشقاق داخل الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية، ويذهب باتجاه البطش بمناهضي الانشقاق الكنسي القائم على مخططات القوى السياسية الأوكرانية من جهة، وانغماس بطريركية القسطنطينية في اللعبة السياسية الأطلسية التي افتعلتها حكومة الرئيس فلودومير زيلينسكي، من بوابة انشقاق داخل الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية بهدف التضييق على الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، في إطار المحاولات الرامية لقطع العلاقات التاريخية والثقافية بين روسيا وأوكرانيا.

في هذا السياق يؤكد عالم الأديان الروسي لونكين الخلفية السياسية لما يجري حول الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية لافتاً إلى نشوء دكتاتورية عسكرية في كييف تلاحق مناهضيها في إطار التضييق على تلك الكنيسة التي تربطها ببطريركية موسكو علاقات تاريخية.

ثمة رؤية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين جديرة أن نأخذها بالاعتبار مفادها أنه يؤمن بشكل قاطع أن الروس والأوكرانيين شعب واحد وأن وحدةً تاريخية تجمعهما، وأن القوى الغربية كانت السبب في ذلك الحاجز الذي بدأ يظهر بين روسيا وأوكرانيا، مؤكداً أن الناس في كل من الأراضي الروسية الشرقية والغربية يتحدثون اللغة نفسها.

ويمكن القول إن تلك الرؤية تنطلق من حقيقة أن اللغتين الروسية والأوكرانية جاءتا من عائلة اللغات السلافية، فقد كانت منذ ألف عام هي نفسها تلك اللغة التي يتم التحادَث بها عبر الأراضي الروسية والأوكرانية لكن بلهجات هجينة مختلفة منبثقة من مصدر واحد يؤكد وحدة الشعبين التاريخية التي يعمل زيلينسكي وزمرته على تحطيمها.

الأحد 2/4/2023

++++++++++++++

  • حساب (الحقل الأمريكي الغربي)، لم ينطبق على حساب (البيدر الروسي)،

 

  • تطورات سلبية لم تكن تتوقعها كييف، سواءٌ على الصعيد الميداني الذي لم يأتِ لمصلحة الجيش الأوكراني، أو على صعيد الانحسار الجزئي للدعم العسكري الغربي لـ (كييف)
العدد 1104 - 24/4/2024