الجرائم الأمريكية في العراق.. من يحاسب؟

إعداد: آية أكرم الناصر:

بعد مرور عشرين عاماً على غزو العراق، تتكشف الحقائق ويظهر مجدداً أن الولايات المتحدة التي تدّعي الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ليست إلا أكبر مرتكب لجرائم الحروب بحق البشرية، وأن احتلال كلٍّ من أفغانستان والعراق والادعاء بمحاربة داعش في سورية ليست إلا وسائل لتصفية الحسابات مع الدول والشعوب التي لا تسير في الركب الأمريكي.

احتلال العراق في العشرين من آذار (مارس) 2020 كان أكبر جريمة حرب وحشية قادتها الولايات المتحدة الأمريكية، بسياسة دموية، هدفت بشكل أو بآخر إلى نهب ثروات هذا البلد وتدمير قدراته وبناه التحتية.

والكل يعرف أن الجرائم الأمريكية في العراق لا تعود فقط إلى بداية احتلاله في العشرين من آذار (مارس) 2003 بل تعود إلى 32 سنة خلت في عام 1991، ففي الثالث عشر من شباط (فبراير) ارتكبت الولايات المتحدة مجزرة مروعة ضد الشعب العراقي في ملجأ العامرية في بغداد، وتحول ذلك الملجأ إلى مسرح جريمة مخيف كان بداخله 408 أشخاص، بينهم 52 طفلاً ما دون سن الخامسة، و12 رضيعاً، و261 من النسوة وآخرون من كبار السن، وقد قامت  طائرة أمريكية من طراز (إف – 117)، بقصف الملجأ بقنبلتين موجهتين زنة الواحدة 2000 رطل، وبذلك سجلت الولايات المتحدة  أبشع جريمة ضد البشرية .

ولم تكن جريمة (ملجأ العامرية) هي الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها الولايات المتحدة، فهناك المئات من الجرائم التي ارتكبتها أمريكا وحلفاؤها الغربيين في العراق.

وعلى مبدأ (شهد شاهد من أهلهم) يقول رمزي كلارك (وزير العدل الأمريكي الأسبق) الذي زار العراق، وشاهد ما خلفته الحرب بعد 42 يوماً من بدئها، بأنها (إبادة جماعية مخططة ومنهجية لسكان عزّل)، فقد استهدف الجيش الأمريكي، كل شيء أخضر ويابس، ثابت ومتحرك، في البر والجو والبحر، وحتى في الهواء، فقد استهدف محطات تحلية المياه، ومحطات الكهرباء، وأنظمة الصرف الصحي، والمستشفيات والمدارس والسكك الحديدية ومصافي النفط، والجسور والبنايات الحكومية، ومحطات الاتصالات الهاتفية، وكل شيء يرتبط بخدمة الإنسان العراقي، وتحول العراق إلى هدف دائم لضربات الجيش الأمريكي وقواته الجوية، باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً والمشبعة باليورانيوم المنضّب، والتي مازالت أثاره قائمة على الحياة في العراق حتى اليوم .

ويؤكد كلارك أن الولايات المتحدة ومنذ اليوم الأول للحرب استهدفت إمدادات الكهرباء، وحرمت بذلك المستشفيات والمراكز الصحية من الكهرباء، وقطعت المياه عنها، بعد ضرب مراكز تحلية المياه، لتزيد من معاناة المراكز الصحية أكثر، وبالتالي اضطر الأطباء فيها إلى إجراء العمليات الجراحية على ضوء الشموع فقط، في حين فقدت اللقاحات وأكياس الدماء صلاحيتها بسبب الحر، بعد أن قصفوا المستشفيات والعيادات الصحية والملاجئ.

وفقاً للإحصاءات الرسمية العراقية، فإن أكثر من 100 ألف مدني قُتلوا في العراق أثناء الاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003، ومع ذلك فإن العدد الفعلي للمدنيين الذين قتلوا بسبب الأعمال العسكرية غير معروف، ولكنه في الغالب أعلى من ذلك بكثير.

ووفقا للمفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان فإن الحرب خلفت نحو 5 ملايين يتيم من الأطفال في العراق، أي نحو 5% من إجمالي الأيتام في العالم.

أما عدد القتلى فقد أجرى مركز (ORB) استطلاعاً استند على مقابلات ميدانية تبين أن حصيلة القتلى العراقيين بلغت 1.033 مليون قتيل منذ الاحتلال عام 2003.

 

وفي بغداد وحدها فقدت 40% من الأسر أحد ذويها، كما أن نسبة 40% من القتلى أصيبوا بالرصاص الأمريكي، ونسبة 21% ماتوا بسبب سيارات مفخخة و8% قتلوا في غارات جوية ونسبة 4% أودوا بسبب صدامات طائفية، بينما أودت نسبة 4% بسبب حوادث.

وقد نتج عن هذا القتل 4 إلى 5 ملايين يتيم تعيلهم 1.5 مليون أرملة حسب إحصاءات اليونيسيف.

وعلى الرغم من مرور 20 عاماً على الغزو الأمريكي للعراق بذرائع واهية وبحجة وجود أسلحة الدمار الشامل، التي أثبتت التقارير الدولية والأمم المتحدة عدم وجودها، ولكن الهدف الأمريكي كان دخول الجيش الأمريكي العراق واحتلاله وتدميره.

يقول الباحث المتخصص في الشؤون السياسية والاستراتيجية، محمد الزيدي: إن (الولايات المتحدة لا تهتم بحقوق الإنسان كما تدّعي، وقد استخدمت أسلحة اليورانيوم المنضب ضد العراق في عام 1991 واستخدمت أسلحة محرمة دولياً عندما احتلت العراق عام 2003).

ويؤكد أن أمريكا انتهكت حقوق الإنسان في العراق وارتكب جنودها العديد من المجازر بحق العراقيين دون عقاب، مثل ما حدث فيما يُسمّى بمجزرة حديثة، وكذلك قصف مدينة الفلوجة بأسلحة محرمة دولياً.

ويتحدث الزيدي كيف أدخلت أمريكا تنظيم القاعدة إلى العراق وفسحت المجال لهذا التنظيم بالنمو، وجاءت فيما بعد بتنظيم (داعش) ليقوم هذا التنظيم المتوحش بأبشع الجرائم ضد الشعب العراقي وضد الإنسانية، فقد قام بتدمير الثقافة والآثار والتراث العراقي، لافتاً إلى أن (هذا الإرهاب لم ينته حتى الآن، ولا يزال منتشراً في أكثر من مكان).

وأضاف: (إن استخدام هذه الأسلحة أدى إلى مقتل العديد من العراقيين وإلحاق أضرار بالنظام الصحي، وتسبب في ظهور العديد من الولادات المشوهة، وارتفاع حالات الإصابة بالسرطان التي لم تكن مألوفة في العراق قبل عام 2003)، مشدداً على أن (تأثير هذه الأسلحة سيبقى لمئات السنين).

وأشار إلى أن قواتها استخدمت العديد من الأساليب لتحطيم نفسية العراقيين، ومنها الاعتقالات وزج الناس في السجون، ومن أشهر تلك الأساليب ما حدث في سجني أبو غريب في بغداد، وبوكا بمحافظة البصرة، من عمليات تعذيب بحق السجناء.

ويشير الزيدي إلى صور نشرها جنود أمريكيون عام 2004 على الإنترنت في سجن أبو غريب تُظهر جنوداً أمريكيين  يسيئون معاملة المعتقلين العراقيين، بما في ذلك إظهار المعتقلين عراة وبعضهم مكدّس فوق بعض. وذكرت تقارير موثقة في حينها أنهم قاموا بعمليات قتل واغتصاب وانتهاكات رهيبة في سجن أبوغريب، حيث تمت عمليات اغتصاب منظمة للنساء، وهتك لأعراض الرجال، إضافة إلى استخدام الكهرباء والكلاب وكل وسائل التعذيب، فقد مارس الجنود الأمريكيون 13 طريقة في تعذيب السجناء العراقيين تبدأ من الصفع على الوجه والضرب، وتنتهي بالاعتداء الجنسي، وترك السجناء والسجينات عرايا لعدة أيام، وإجبار المعتقلين العرايا الرجال على ارتداء ملابس داخلية نسائية، والضغط على السجناء لإجبارهم على ممارسة أفعال جنسية شاذة وتصويرها بالفيديو!

وقال الدكتور محمد الفياض الباحث في الشأن العراقي وتبعات الاحتلال: إن الولايات المتحدة أثبتت عبر التاريخ، أنها لا تهتم بحقوق الإنسان كما تدّعي، وقد استخدمت أسلحة اليورانيوم المنضب في 1991 عندما انسحبت القوات العراقية من الكويت، كما استخدمت أسلحة محرمة دولياً عندما احتلت العراق عام 2003.

وأضاف أن استخدام هذه الأسلحة أدى إلى مقتل العديد من العراقيين وإلحاق أضرار بالنظام الصحي، وتسبب في ظهور العديد من الولادات المشوهة، وارتفاع حالات الإصابة بالسرطان التي لم تكن مألوفة في العراق قبل عام 2003، مشدداً على أن تأثير هذه الأسلحة سيبقى لمئات السنين.

وتابع الفياض قائلاً: إن أمريكا انتهكت حقوق الإنسان في العراق وارتكب جنودها العديد من المجازر بحق العراقيين دون عقاب، مثل ما حدث فيما يُسمى بمجزرة حديثة، وكذلك قصف مدينة الفلوجة بأسلحة محرمة دولياً.

ووقعت مجزرة مدينة حديثة التي تبعد (200 كم) شمال غرب بغداد عام 2005 عندما قتلت قوات المارينز الأمريكية من الفرقة 101 المنقولة جواً 24 مدنياً أعزل بينهم نساءٌ وشيوخ وأطفال داخل منازلهم، ثم اغتصاب الطفلة عبير الجنابي التي تبلغ من العمر 14 عاماً اغتصاباً جماعياً وقتلها بعد الجريمة.

وشهدت مدينة الفلوجة (50 كم) غرب بغداد عمليات قصف عنيفة عام 2004 ألحقت خسائر كبيرة في صفوف المدنيين بعد أن استخدمت القوات الأمريكية الفوسفور الأبيض في قصف المدينة.

ويرى الفياض أن الولايات المتحدة حوّلت العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات مع الجماعات المتطرفة، ويقول: إن أمريكا فسحت في البداية المجال لتنظيم القاعدة، وفيما بعد جاءت بتنظيم داعش وهو تنظيم متخلف قام بتدمير الرموز الثقافية وكل شيء حتى المواقع الأثرية التاريخية وكل ما يمت إلى التراث العراقي، لافتاً إلى أن (جذور هذا الإرهاب لم تنتهِ حتى الآن وما تزال جذوره منتشرة في أكثر من مكان).

ويعتقد الكثير من العراقيين أن الولايات المتحدة لم تأت لنشر الديمقراطية كما تدّعي بل جاءت لنهب ثروات الشعب العراقي كما تفعل الآن في سورية بعد أن حولت شوارعهم إلى ساحات قتال من قبل الجنود الأمريكيين أدى إلى مقتل الآلاف من الأبرياء، وهذا برأي الكثير من القانونيين والحقوقيين يجب ألا يمر دون عقاب، ويجب أن تتحمل الإدارة الأمريكية المسؤولية المادية والمعنوية عن تلك الجرائم التي ارتكبتها في هذا البلد وما زالت ترتكب المزيد.

 

العدد 1105 - 01/5/2024