المنظمة الدولية المشلولة!

د. صياح فرحان عزام:

من المعروف أن منظمة الأمم المتحدة تأسست عام 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وما أفرزته تلك الحرب من قوى دولية منتصرة فيها، وبالتالي جاء ميثاقها وفق ما أرادته تلك الدول بحيث فرضت نفسها على قمة النظام الدولي، واحتفظت لنفسها بدور أساسي في رسم السياسات الدولية وتحديدها.

وإذا كان ميثاق المنظمة الدولية يمثل إحدى أدواتها في مجالات تحديد واجبات الدول الأعضاء والتزاماتها، ويؤسس الأجهزة الرئيسية للمنظمة ويحدد الإجراءات الواجب اتخاذها، وهو بالتالي يمثل شكلاً من أشكال الحلف الدولي الذي يقنن العناصر الرئيسية للعدالة الدولية في المساواة السيادية للدول، وفي منع استخدام القوة بأي وسيلة من الوسائل التي لا تنسجم مع أهداف الأمم المتحدة وميثاقها، وإذا كانت ديباجة الميثاق تؤكد على (العيش المشترك معاً في سلام وحسن جوار وحفظ السلام والأمن الدوليين واتخاذ التدابير الفاعلة المشتركة لمنع الأسباب التي تهدد السلام وإزالتها)، إلا أن هذه الأهداف لم تتحقق بعد مرور 78 عاماً، ولم تتمكن المنظمة من تنفيذ التزاماتها في تحقيق الأمن والسلام والحيلولة دون نشوب الحروب المدمرة، وفي مساعدة الشعوب التي تناضل لتحقيق استقلالها واسترداد حقوقها التي سُلبت بالقوة.

فإذا استثنينا بعض ما قدمته المنظمة من خلال قوات لحفظ السلام في عدة دول شهدت بعض الصراعات والحروب، إضافة إلى جهود المنظمات الإنسانية التابعة لها في مواجهة الكوارث والأوبئة والإغاثة وتقديم المساعدات، فإن هذه المنظمة الدولية لم تتمكن من القيام بدورها المفترض والمحدد في ميثاقها كما ذكرنا قبل قليل، والسبب في ذلك الضغوط التي تمارس على دولها ومسؤوليها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها عبر حق (الفيتو) الذي يُستخدم من قبل هذه الدول لحماية مصالحها ومصالح عملائها في العالم.

وهناك أمثلة كثيرة تشير إلى فشل الأمم المتحدة في جهودها ومهامها منها:

– عدم إجبار كيان الاحتلال الإسرائيلي على التقيد بقرارات المنظمة والالتزام بها، بل على العكس من ذلك، وكأن هذا الكيان فوق ميثاق وقوانين وقرارات المنظمة، فالولايات المتحدة ومن خلال حق الفيتو تمنع اتخاذ أي قرار يدين هذا الكيان وجرائمه المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، وتتجاهل ما يقوم به من انتهاكات صارخة.

– تجاهل جرائم الإرهاب في سورية منذ اثني عشر عاماً واحتلال أجزاء من أراضيها، والسبب أيضاً الضغوط الأمريكية والأوربية على دول هذه المنظمة، وكذلك تجاهل الحصار الخانق المفروض على الشعب السوري والعقوبات الأمريكية والغربية التي طالت لقمة عيش المواطن السوري.

– أيضاً عجز الأمم المتحدة عن وقف الحرب في أوكرانيا، هذه الحرب التي اختلقتها الولايات المتحدة وتعمل على تأجيج نارها، لاستنزاف روسيا والمحافظة على النظام الدولي أحادي القطب الذي تتربع على عرشه منذ تسعينيات القرن الماضي. وفي هذا السياق أيضاً وإضافة إلى دعم أوكرانيا بالسلاح والمال والمعلومات الاستخباراتية وغيرها، تمنع واشنطن إجراء أية مفاوضات لوقف هذه الحرب التي أثرت على العالم أجمع، علماً بأن روسيا عرضت إجراء مفاوضات تضمن الأمن لجميع الدول.

– كذلك تستمر الولايات المتحدة في إنشاء الأحلاف والتكتلات العسكرية والاقتصادية العدوانية لتطويق روسيا والصين وإيران وغيرها من الدول المناهضة للسياسات الأمريكية.

– كما فشلت الأمم المتحدة في منع غزو أفغانستان عام 2001 وغزو العراق واحتلاله، وفي منع إسقاط نظام الرئيس الراحل القذافي بالقوة.

هذا غيض من فيض كما يقال من الأمثلة على فشل الأمم المتحدة.. ونعود للقول والتأكيد أن هذا الفشل وهذا العجز للمنظمة الدولية يعود إلى تسلط الولايات المتحدة الأمريكية عليها والضغوط على دولها ومسؤوليها، حتى أصبحت هذه المنظمة ف حالة شلل تام، لأن الولايات المتحدة وحلفاءها يتمسكون بامتيازاتهم ومصالحهم حتى لا يفقدوا السيطرة على قضايا العالم.

 

العدد 1107 - 22/5/2024