الولاية القضائية العالمية.. شرعة غير مشروعة

د. نهلة الخطيب:

استوقفتني مؤخراً تصريحات وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا: (من المحتمل محاكمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام المحكمة الجنائية الدولية)، فمنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية تتهافت الأصوات التي تنادي بإحالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى محكمة الجنايات الدولية بتهم ارتكابه جرائم حرب في أوكرانيا، بدأها السفير الأوكراني لدى الأمم المتحدة سيرغي كسيليتسيا مروراً بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأمريكي جو بايدن الذي وصف بوتين بأنه مجرم حرب.

معايير غربية تتسم بالازدواجية والنفاق والكيل بمكيالين امتطوا جواد حقوق الانسان وجرائم حرب واتهامات مفبركة متناسين في الوقت نفسه تاريخهم السيئ الذي جرت فيه العديد من جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان والإبادة الجماعية، فلِمَ لا تمارس هذه المحكمة سلطتها الشرعية على الفرنسيين بارتكاب جرائم حرب عبر تاريخها الاحتلالي إبان انشاء مستعمرات في أرجاء العالم وخصوصاً القارة الإفريقية التي عاشت العبودية والمجازر والتمييز العنصري.

تعد الجزائر من أكثر الدول التي ارتكبت في حقها فرنسا عدداً كبيراً من المجازر طيلة قرن وربع (1830_1962) فالاستعمار الفرنسي مارس أبشع أنواع التنكيل والقتل بحق الشعب الجزائري كانت حصيلتها مليون شهيد فقط في الفترة بين 1954_ 1962 فترة الثورة الجزائرية وتحتفظ فرنسا بـ 18 ألف جمجمة في متحف الإنسان بباريس 500 فقط تم التعرف على هويات أصحابها، قُتلوا وقُطعت رؤوسهم من قبل قوات الاستعمار الفرنسي منتصف القرن التاسع عشر، ومن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر الإبادة الجماعية وكانت مجزرة 8 أيار عام 1945 من أبشع الجرائم ضد الانسانية عندما أطلقت القوات الفرنسية النار على متظاهرين سلميين عزل لمطالبة فرنسا منحهم الاستقلال وقتلت 45 ألفاً منهم، ومجزرة نهر السين عندما أقدمت القوات الفرنسية على إطلاق الرصاص على تظاهرة سلمية عام 1957 وقتلت ما يقارب 1500 شخص وألقت بهم في نهر السين، واعتقلت الآلاف وبات مصيرهم مجهول، استخدمت الجزائريين كدروع بشرية ورهائن ونكلت بهم بأبشع وسائل التعذيب لنشر الرعب والتخويف كالصعق الكهربائي واستخدام الآبار المائية لسجنهم، واكتثشف عدد كبير منها في الولايات الجزائرية ممتلئة برفات الآلاف من الشهداء، فضلاً عن قيام القوات الفرنسية بإجراء تجارب نووية في الصحراء الجزائرية وفي منطقة رقان حصراً في ستينيات القرن الماضي، وتسببت بمقتل ما يقارب 42 ألف جزائري وأحدثت عاهات مستدامة بسبب الإشعاعات التي ما تزال تلوث المكان حتى اليوم، إضافة إلى النهب والسرقة لخيرات وثروات الجزائر والتي طالت تاريخه وأرشيف وثائقه.

أين القانون الدولي عندما تسببت فرنسا في مقتل 800 ألف راوندي في 6 نيسان عام 1994 ونحو 200 ألف امرأة جرى اغتصابهن وأُصبن بالإيدز، كما يوجد مليون طفل يتيم في راوندا وذلك بتقديم الدعم العسكري واللوجستي لقبائل الهوتو الحاكمة التي بدأت حملة منظمة لقتل التوتسي والقضاء عليهم كلياً. لم يكن الدور الفرنسي في المذبحة مقتصراً على تقديم الدعم بل إنها عملت على هروب المسؤولين عن المذبحة من راوندا عبر الممر الإنساني الفرنسي الذي أطلقته والذي ساهم في تسليح وهروب آلاف المشاركين في المجازر من ميليشيات الهوتو.

مجزرة كبب بتشاد عام 1917 حيث جمعت ما يقارب 400 عالم مسلم وقامت بقتلهم بالسواطير والرصاص ووضعتهم في مقبرة جماعية، ومجزرة الشاوية المغربية 1907 حيث قتلت القوات الفرنسية خمس سكان الدار البيضاء ودمرت المدينة للسيطرة على مينائها، وهناك مجازر لا تعد ولا تحصى ارتكبتها فرنسا بحق الإنسانية فأين المجتمع الدولي منها؟ وماذا عن جرائم الأبارتهايد بجنوب إفريقيا؟ وجرائم الأمريكيين في أفغانستان والعراق وملجأ العامرية وسجن أبو غريب خير شاهد على بشاعتهم، تجويع الشعب السوري من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات قسرية أحادية الجانب ألا تعد جريمة ضد الإنسانية؟! وما زالت تتواصل جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية يومياً، فقوات الاحتلال تشن حرباً مفتوحة على الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية والتي ترتقي إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية: سرقة الأراضي ومصادرتها وهدم منازل وترحيل السكان من أراضيهم وبناء وحدات استيطانية وعمليات تطهير عرقي وإعدامات وإطلاق ميليشيات المستوطنين للاعتداء على الفلسطينيين وإحراق منازلهم كما حدث في بلدة حوارة الأسبوع الماضي، وما ذلك إلا لتكريس نظام الفصل العنصري في فلسطين، ورغم كل تجاوزات الكيان الاسرائيلي وممارساته إلا أن التفوق القانوني في المحافل الدولية له لأنه أداة اقليمية لقوى الهيمنة الرأسمالية العالمية.

ختاماً القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والأمم المتحدة وميثاقها ومؤسساتها بكل اختصاصاتها وما يتعلق منها بالشرعية الدولية وقانون حقوق الانسان بعيدة عن روح العدالة والحق والمساواة والتشاركية والإنسانية لم تحقق استقرار الشعوب وأمنها ولم تكن إلا أداة للقوى المهيمنة لإخضاع ومحاكمة الشعوب الضعيفة والفقيرة يحق لهم فرض عقوبات وتجميد أموال ومحاكمة من يشاؤون والتدخل بالشؤون الداخلية عكس ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة أو بذرائع التدخل الإنساني أو العسكري لسلب الثروات والعالم أشبه بشريعة الغاب والبقاء للأقوى.

العدد 1107 - 22/5/2024