الأعياد في شامنا (… في كل عيد)

بشار المنيّر:

يحتفل شعبنا بعيد الميلاد المجيد.. قلت شعبنا، ولم أقل (المسيحيون)، لأن أعيادنا الدينية_ نحن شعب سورية الحضارة.. نحن النسيج المتنوع المسلم والمسيحي المتآلف منذ مئات السنين_ كانت ومازالت أعيادَ الشعب بأسره.. أعياد الوطن، وسأروي لكم أحبّائي ما شاهدتْه عيني.. وما سمعته أذني أنا الطفل بشار المنيّر ابن العائلة المسيحية في حي الصالحية بدمشق، التي يشكل إخوتنا المسلمين أكثريته الساحقة.

في اليوم الذي يسبق كلّ عيد من أعيادنا، كنت أتلهّف للوقوف في أعلى الدرج الطويل الذي يؤدي إلى داخل البيت.. وأستمع إلى ما سيردّده جيراننا المسلمون بمناسبة قدوم العيد.. وكانوا من العائلات الدمشقية المرموقة.

في البداية يقرع أحد الجيران جرس الباب.. فيطلّ أبي.. وأحياناً كثيرة أمّي، وبعد إلقاء السلام.. والسؤال عن الأحوال، تبدأ حالة غريبة.. لا تعرفها بقية الشعوب.. في بقية بلدان العالم:

يا جار الرضا.. أمانة الله والجيرة.. وعشرة العمر بيننا.. بُكرا عيدكم، وكل سنة وأنتم بألف خير.. يا جيراننا.. يا أهلنا، شو بيلزمكم.. من ليرة لألف (وكانت الألف يومذاك ثروة).. رقبتنا سدّادة!

فيجيبه أبي.. ومرّات تجيب أمي:

ما بتقصّروا ياجيراننا وأهلنا.. الله يكتر خيركم.. ويديمكم.. الحمد لله كلّو تمام.. سلّموا على العيلة.. وكلّ سنة وأنتو بألف خير.

ويأتي بعدها جار آخر، وهكذا حتى يقدّم الجميع ما يعدّونه واجباً.. وحقّ الجيرة.

والطريف في الأمر أن هذه العائلات (المسلمة) كانت ترسل إلى بيتنا في صباح العيد صواني الحلويات.

هكذا عشنا في سورية المحبة.. وهكذا نتمنّى أن تبقى سورية المحبة.

كل عام وأنتم بألف خير.

وعاشت سورية ذات السيادة.. عزيزة الجانب.. وعاش شعبها موفور الكرامة، دون منغصات، ودون أزمات، ودون جميع القيود التي تحدّ من حرّيته.. وإنسانيته.

 

بلادنا تواجه اليوم طغيان وحصار من ينصبون شجرة الميلاد في ساحاتهم الكبرى، هؤلاء الذين يتشدّقون بالخير والتسامح وقيم الميلاد السامية في خطبهم الرنّانة، لكنهم يخنقون ضحكة أطفال بلادي فرحاً بالميلاد.. ويفرضون حصارهم على لقمة الأطفال السوريين ودوائهم ودفئهم.

ميلادنا الآخر، الذي نتوق إليه ونسعى، قادمٌ حين تتوحّد كلمة السوريين لطرد الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي من كلّ شبر من الأرض السورية..

حينئذٍ، ستعمّ المسرّة ويعمّ السلام.

العدد 1105 - 01/5/2024