الانتخابات الأمريكية.. حرب ضروس أو تسونامي؟!

د. نهلة الخطيب:

نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية رئاسي، فالرئيس هو قائد الجيش وهو المسؤول الأول والأخير عن تشكيل إدارته وعن السياسة الخارجية للدولة، ومدة ولايته أربع سنوات ولا يُنتخب بشكل مباشر من الشعب، هناك فصل للسلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية لكل منها صلاحيات بحيث لا يطغى أيٌّ منها على الآخر، وهذا دليل على ديمقراطية هذا البلد. الكونغرس مؤلف من 535 عضواً، يماثله بعدد الناخبين مجمّعٌ انتخابي لكل ولاية، والذي يجمع 270 صوتاً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي يفوز بالأغلبية. وإن قدرة الرئيس على إنجاز برنامجه لها علاقة قوية بما إذا كان حزبه مسيطراً على الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، فهناك تداول سلمي للسلطة، وكل رئيس يكمل ما قبله، وهناك مؤسسات بوزارة الدفاع تكبح طموح أي رئيس يكون مضرّاً بالمصلحة الوطنية.

الانتخابات النصفية الأمريكية تحدث بعد عامين من ولاية الرئيس، ويتركز اهتمام هذه الانتخابات على الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، فيجري انتخاب أعضاء مجلس النواب لفترة عامين، وعددهم 435 عضواً، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ والبالغ 35 عضواً من أصل 100 عضو يتم انتخابهم كل ست سنوات، بمعدل الثلث كل عامين، إضافة إلى انتخاب 36 حاكم ولاية من إجمالي 50 حاكماً، وعدد من المناصب المحلية كرؤساء البلديات والقضاة والاستفتاء على قوانين محلية خاصة بكل ولاية، وبشكل عام تعد هذه الانتخابات النصفية نوعاً من الاستفتاء على أداء الرئيس وحكومته بعد عامين من تولّيه السلطة، ويتقرّر فيها الكثير من التفاصيل للمراحل القادمة، إذ يتحدد الحزب والمرشح الفائز في الانتخابات الرئاسية القادمة.

يتنافس على السلطة حزبان رئيسيان: الحزب الجمهوري الذي يتبنى النظرية الواقعية، وأن القوة العسكرية هي الأساس وأن أمريكا أولاً، والحزب الديمقراطي الذي يتبنى النظرية الليبرالية ويهتم بالقضايا الداخلية والاقتصاد والتنمية وقضايا المرأة والصحة وحقوق الإنسان. والحزب الحاكم حالياً هو الحزب الديمقراطي الذي يشغل 50 مقعداً في مجلس الشيوخ يقابله 50 مقعداً للحزب الجمهوري، إضافة إلى صوت نائبة رئيس المجلس كمالا هاريس التي تصوت لصالح الديمقراطيين، بينما يشغل الحزب الديمقراطي 222 مقعداً في مجلس النواب مقابل 213 مقعداً للجمهوريين.

تحظى الانتخابات النصفية الحالية 2022 بالتنافس الحاد بين طرفي المعادلة السياسية الحزبيين الديمقراطي والجمهوري، وخاصة بعد ظهور التيار اليميني الشعبوي بقيادة دونالد ترامب، المسيطر على الحزب الجمهوري، والذي يراه الديمقراطيون مصدر تهديد لاستقرار البلاد، وخاصة بعد رفضه نتائج انتخابات عام 2020 ومحاولته الانقلاب على الانتخابات واقتحام مبنى الكونغرس عام2021 وتوجهاته المعادية للتنوع العرقي والثقافي والحريات الشخصية والجنسية، فقد نجح ترامب في خلق ظاهرة الترامبية، التي يفوق عدد أتباعها خمساً وسبعين مليوناً، والذين لم يفتر حماسهم إلى الآن، بل تضاعف بعهد ولاية جو بايدن الذي يواجه تحديات كبيرة هو وحزبه، فقد انخفضت نسبة تأييده وشعبيته بصورة تدعو للقلق ووصلت إلى 38%، وهي مرتبطة بتراجع الأوضاع الاقتصادية الداخلية وارتفاع الأسعار، وعجزه عن كبح جماح التضخم، وطريقته بالتعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية، والعقوبات الاقتصادية التي فُرضت على روسيا، والتي أثرت بشكل كبير على ارتفاع أسعار الغاز الذي لن يتغير في المستقبل القريب حسب محللين اقتصاديين.

بعد التقارب الشديد في نتائج التجديد النصفي في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 رجحت الكفة لصالح الديمقراطيين في نيفادا، واستطاعوا الحفاظ على سيطرتهم على مجلس الشيوخ، في هذه الولاية هَزمت المرشحةُ الديمقراطية كاترين كورتيز المرشحَ الجمهوري آدم لاكسالت الذي دعمه الرئيس السابق دونالد ترامب، فأصبح للديمقراطيين 50 مقعداً في مجلس الشيوخ مقابل 49 مقعداً للجمهوريين، وبقي مقعد واحد لجورجيا سيحسم في انتخابات الشهر القادم، وفي حال فوز الجمهوريين  فإن الحزبين سيتساويان بعدد المقاعد وحينها سترجح نائبة الرئيس كمالا هاريس الكفة للديمقراطيين، وقد صرح بايدن إبان ظهور النتائج إنه بات أقوى، وأضاف: (إنني أشعر بحال جيد وأتطلع إلى العامين المقبلين). ولمّح إلى نيته بالترشح لولاية ثانية، في حين أطلق الرئيس السابق تصريحات عن (التزوير الانتخابي) رافضاً الاعتراف بحكم صناديق الاقتراع، كما فعل عند هزيمته في الانتخابات الرئاسية في عام 2020، إضافة إلى إعلانه أنه سيكون مرشح للانتخابات الرئاسية القادمة.

إن العامين القادمين سيشهدان حالة من الشلل السياسي، فلن يستطيع بايدن وحزبه تمرير أي قوانين أو موازنات دون مساعدة الحزب الجمهوري، وسيتحول الرئيس بايدن إلى رئيس محدود الصلاحيات حتى انتهاء مدته الرئاسية، وفي ظل هذا المناخ المتوتر، فإن المخاوف من انقسام في المجتمع الأمريكي خطيرة جداً، وكما قال جورج واشنطن: (إن أي انتخابات في أمريكا هي حرب أهلية مؤجلة لا نعلم متى تنفجر).

العدد 1107 - 22/5/2024