لحظة تاريخية.. هل جاء المد الوردي لتغيير البرازيل ؟؟!! 

د. نهلة الخطيب:

صار لولا دا سيلفا رئيساً للبرازيل مجدداً بفارق ضئيل عن منافسه جايير بولسونارو، قد يبدو للبعض أنه أمر طبيعي، ولكن الموضوع مختلف وخاصة بالنسبة للولا دا سيلفا الذي أدين بتهم الفساد ودخل السجن وقضى فترة فيه أدت إلى حرمانه من الترشح في انتخابات عام 2018 ففاز اليميني المتطرف بولسونارو الذي عمل خلال دورته الرئاسية على تقويض الضوابط والتوازنات وممارسة ضغوط على القضاء والمجتمع المدني، إضافة إلى الركود الاقتصادي الذي يمر به العالم بعد وباء كوفيد، الذي أدى إلى ارتفاع الإنفاق المالي ونشوء حالة من الاستقطاب السياسي المزعج، فهل يستطيع لولا دا سيلفا أن يكون المنقذ للبرازيل؟

بالعودة إلى تاريخ البرازيل، الدولة الأكبر في أمريكا اللاتينية والتي استقلت عام 1822 وتحولت إلى جمهورية 1889، وفي أوائل الستينيات حكم البرازيل ديكتاتوريات عسكرية استمرت لأكثر من عشرين عاماً عملت على تهيئة بناء سياسي خاص بالبرازيل، إضافة إلى البنى التحتية والاستثمارات الكبيرة، واندلعت عام 1984 تظاهرات شعبية انتصرت بها الديمقراطية على استبداد حكم العسكر وسقوط العصبة الحاكمة، واليوم تعتبر البرازيل من الدول الكبرى الغنية بمواردها الطبيعية والبشرية، واستطاعت الانتقال من دولة تعاني من الفقر والتضخم والدين إلى دولة تمتاز بمعايير قوة اقتصادها ودخلها القومي، تملك أوسع غابة استوائية وهي غابة نهر الأمازون التي تشكل مخزوناً ضخماً للأوكسجين في العالم، وتعتبر البرازيل في طليعة دول (البريكس) ذات الإمكانات الاقتصادية الكبيرة وعضو في G20، فهي قوة صاعدة من خلال سياستها الخارجية التي صاغتها لتأهيل نفسها كلاعب دولي له وزنه العالمي.

وقد تبنّت مبدأ الحوار والتحالفات الدولية والإقليمية ليكون لها دور في النظام الدولي وفق رؤيتها في وجود نظام دولي متعدد الأقطاب.

وفي عهد الولاية الرئاسية الأولى للولا دا سيلفا (2002_2010) اتسمت سياسته الخارجية بالبراغماتية، وكانت مهتمة بتعزيز دور الدولة كمفاوض دولي والفاعل السيادي عن المصالح الوطنية والبحث عن التوازن الدولي وتقوية العلاقات الدولية في مجالات مختلفة، بما يحقق التنمية والتضامن الدولي وتكثيف علاقات بلده بالدول العظمى والدول الصاعدة. شارك لولا دا سيلفا في تأسيس حزب العمال مطلع الثمانينات، وكان أول رئيس برازيلي ينتمي إلى طبقة العمال، فعمل على تطبيق برامج اجتماعية طموحة مستندة على ازدهار اقتصادي مدعوم بارتفاع أسعار المواد الخام، مما أدى إلى خروج نحو30 مليون برازيلي من براثن الفقر والبؤس، إضافة إلى الانفتاح الكبير على العالم تجلى باستضافة كأس العالم 2014 ودورة الألعاب الأولمبية 2016.

في المشهد الانتخابي البرازيلي هناك حزبان رئيسيان منذ التحول الديمقراطي في منتصف الثمانينات، الأول حزب العمال PT اليساري، والثاني الحزب الاجتماعي الديمقراطي PSDB يمين الوسط، والجديد في الانتخابات الجارية هو ميلاد تحالف جديد، وهو تحالف الوحدة من أجل البرازيل مكون من مجموعة من الأحزاب والحركات اليسارية الرافضة لسياسة حكومات حزب العمال ومطالب بانتقال السلطة بعيداً عن حزب العمال، وقد استطاع أن يحصل في هذه الانتخابات الحالية على 55 مقعداً في حين لم يحصل في انتخابات 2010 سوى على 3 مقاعد فقط، وهو ما يؤشر إلى بداية ظهور بديل على يسار حزب العمال الحاكم، وهذا يؤكد أن المشهد السياسي البرازيلي يشهد نضوجاً وترسيخاً للديمقراطية التي ولدت منذ ثلاثين عاماً بعد نهاية الحكم العسكري السلطوي.

وبوصول لولا دا سيلفيا نصير العمال والفقراء إلى الرئاسة البرازيلية بأجواء كانت الأكثر استقطاباً سياسياً وتوتراً في تاريخ البلاد، سيواجه تحديات أبرزها أنه سيتعامل مع برلمان غالبيته يمينية من الحزب الليبرالي بزعامة خصمه بولسونارو والمتوقع أن يفرض قيوداً شديدة على الميزانية ومعارضة لسياسته، إضافة إلى تجنبه فضائح فساد جديدة سيكون تحدياً مهماً ينتظر الرئيس المنتخب، فالمعادلة قد تكون صعبة: يسار يقود دولة رأسمالية، براغماتي يمتاز بثبات العقيدة ويركب موجة التغييرات حتى لو كان شيوعياً، وكما يقول جون فرينش أستاذ التاريخ في جامعة ديوك في الولايات المتحدة : لولا ظاهرة سياسية وانتخابية مثيرة ينبغي أن يدرسها العالم ويهتم بها اهتماماً بالغاً.

العدد 1105 - 01/5/2024