تفجير خطّي ستريم 1 و 2.. من المستفيد؟

د. صياح فرحان عزام:

من المؤكد أن وراء كل عمل تخريبي جهة محددة تنفذه لمصلحتها، نقول هذا الكلام بعد حادث تفجير خطي أنابيب نورد ستريم في بحر البلطيق. معروف أن هذين الخطين يزودان ألمانيا ودول أوربية أخرى بالغاز الروسي، والسؤال: من المستفيد من ذلك؟

هذا الحادث ليس حادثاً عرضياً، بل هو فعل متعمد، ومن ارتكبه لديه القدرات والإمكانات الفنية والخبرات التقنية، مع معرفة موقع الأنابيب وخط سيرها، ولديه أيضاً القدرة على الغوص تحت الماء إلى أعماق تصل إلى 1300 متر، وهي مسافة لا يمكن قطعها إلا بوسائل متطورة جداً لا تملكها إلّا دول عظمى وكبرى، أو دول لديها تقنيات بحرية متطورة وضعت في خدمة جهاز مخابرات تولى التنفيذ، وهو دون أدنى شك (جهاز مخابرات أمريكي).

إن أصابع الاتهام راحت في كل الاتجاهات، والمضحك منها اتهام روسيا نفسها وبعض الاتهامات طالت دولاً غربية، ولكن هناك شبه إجماع على أن الولايات المتحدة هي من ارتكبت جريمة التفجير هذه.

إذاً، الأمر ليس لغزاً، ومما يدعم ذلك أن الولايات المتحدة من الأساس عارضت إقامة الخطين المذكورين، وقد مارست آنذاك ضغوطاً كبيراً على برلين للتراجع عنهما، إضافة إلى أن شركات النفط الأمريكية ستجني فوائد وأرباحاً فاحشة من تزويد أوربا بالغاز المرتفع الثمن، والدليل الثالث على أن واشنطن وراء هذا العمل هو أن الرئيس الأمريكي بايدن هدّد منذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا بنسف هذا الخط.

إذاً، الأدلة واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج إلى مزيد من التفكير.

الجدير بالذكر أن خط أنابيب نورد ستريم 1 يبدأ من مدينة فيبورغ الروسية، وينتهي في مدينة غراينسفالد الألمانية، وقد وضع في الخدمة عام 2011 ويبلغ طوله 1222 كم، وبذلك يعتبر أطول خط أنابيب تحت البحر في العالم، ويمكنه نقل 170 مليون متر مكعب من الغاز يومياً.

أما خط نورد ستريم 2 فقد انتهى العمل فيه عام 2021، ويمتد تحت البحر بالتوازي مع خط نورد ستريم 1، وقد بلغت تكلفة إنشائه 10 مليارات يورو (11.5) مليار دولار)، والخطان يزودان أوربا بأكثر من 43% من احتياجاتها من الغاز الروسي.

وقد أدى تسرب الغاز من الأنابيب بعد تفجيرها إلى ضياع 800 ألف متر مكعب من الغاز حسب تقديرات شركة غاز بروم الروسية المشغلة للخطين، وإلى تلوث واسع في بحر البلطيق، ويجري التحقيق حالياً لمعرفة كيفية التفجير والجهة الفاعلة. لكن من المستبعد أن تسمح الإدارة الأمريكية بالتوصل إلى معرفة الحقيقة، لأنها هي من ارتكب التفجير كما ذكرنا قبل قليل، إذ هناك مجموعة أدلة دامغة بأن الفاعل هو الولايات المتحدة، ولذلك ستعمل على ممارسة الضغوط على المحققين ورشوتهم لإبعاد التهمة عنها وتسجيلها باسم (فاعل مجهول).

ومما ينفي التهمة عن روسيا كلياً ما يلي:

  • روسيا تملك مفاتيح الفتح والإغلاق، وهي تستطيع قطع إمدادات الغاز من دون أن تقوم بالتفجير، وبإمكانها القيام بذلك تحت أي ذريعة.
  • إن روسيا لا يمكن أن تطلق النار على قدميها، وهي أكثر من يلحقها الأذى من هذا التفجير مادياً، وفي هذا الخصوص، كانت موسكو تتوقع التفجير من قبل (أنذال الغرب لاسيما منهم الرئيس بايدن الذي يعاني من الخرف والنسيان، إضافة إلى حقده الدفين على روسيا وحلفائها الصين وإيران وسورية وكوريا الشمالية، فمنذ أن جاء إلى البيت الأبيض ازداد العالم خراباً ومشاكل وصراعات مفتعلة لتغطية التراجع الأمريكي.

أما بالنسبة لعملية إصلاح الخطين، فهي عملية معقدة، ولا يمكن التكهن بموعد الإصلاح، أو بالمدة التي تستغرقها عملية الإصلاح ولا بالكلفة الباهظة ومن يتحملها.

الخلاصة، إن التفجير عمل متعمد وعدواني، ومن صنع الولايات المتحدة الأمريكية وفقاً للأدلة التي جئنا على ذكرها في مقدمة البحث، هذا من جهة، ومن جهة أخرى من المستبعد جداً جداً قيام روسيا بهذا التفجير كما يدّعي الغرب للتغطية على جريمته المروّعة والوقحة.

 

العدد 1105 - 01/5/2024