16 أيلول.. تحدٍّ جديد

أحمد ديركي:

أطلقت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) رصاصتها الأولى ضد جيش الكيان الصهيوني الذي اجتاح بيروت، ولم تكن فعلياً هذه رصاصتها الأولى، فهي رصاصة من رصاصات سابقة أطلقتها ضد الكيان الصهيوني، ولكن ما ميّز هذه الرصاصة أن جيش الكيان الصهيوني، وبتغطية عالمية وفي جزء منها عربية، كان قد اجتاح لبنان آنذاك ووصل إلى عاصمته بيروت.

فكانت هذه الرصاصة الأولى لجمول استكمالاً لرصاصاتها التحريرية السابقة، متحدّية بها كل خائن، بغض النظر عن جنسيه ولونه وجنسه. والتحرير هنا لم يكن لبيروت فقط، فرصاصات جمول موجهة ضد الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين. بمعنى آخر مهمة جمول الأساسية، قبل أن تكون جمول، هي تحرير فلسطين من الكيان الصهيوني.

فجمول الحزب الشيوعي اللبناني، لم تكن لبنانية فقط، بل انضم إلى صفوفه وصفوف جمول كل مقاوم للكيان الصهيوني يحمل قضية تحرر الشعوب من نير الاستعمار. فقد عمل الحزب الشيوعي اللبناني منذ نعومة أظافره على مقاومة الكيان الصهيوني داخل فلسطين وخارجها، وأتت جمول تتوج مقاومته الداخلية.

لم ينسَ يوماً الحزب الشيوعي اللبناني أن التحرير لا بد أن يرتبط بالتغيير، فلا تحرير من دون تغيير، لذا حمل، وما زال يحمل، برنامجاً تحريرياً تغييرياً.

طردت جمول من خلال عملياتها البطولية جيش الكيان الصهيوني إلى ما كان يُعرف بالشريط الحدودي.

تغيّرت موازين القوى في العالم وتشقلبت عقائد العديد من الأنظمة السياسية العربية والإقليمية والعالمية، تجاه القضية الفلسطينية، فبعض هذه الأنظمة خان القضية الفلسطينية وبدأ بالتطبيع، وفي الوقت عينه خان جمول وكل مقاوم للكيان الصهيوني. وحالياً أصبح التطبيع وكأنه فعل اعتيادي لا فعل خيانة!

ما زال الحزب الشيوعي اللبناني، مطلِق جمول، على موقفه، وما زالت الأحزاب الشيوعية العربية وعدد من الأحزاب العالمية على موقفها من الكيان الصهيوني. فعلى سبيل المثال ما فعله الرئيس التشيلي، فقد رفض رئيس تشيلي، غابرييل بوريك، قبول أوراق اعتماد السفير الإسرائيلي الجديد، جيل أرتزيالي، بسبب قتل الكيان الصهيوني للأطفال في غزة، في الوقت الذي تطبل وتزمر بعض الأنظمة العربية مع كل فعل خياني تقوم به، من خلال التطبيع، مع الكيان الصهيوني.

تغيرات تضع الحزب الشيوعي اللبناني وكل الأحزاب الشيوعية العربية أمام تحدٍّ جديد. يتمثل هذا التحدي في أن الأنظمة العربية التي تعيش الأحزاب العربية في كنفها لم تعد تعتبر التطبيع مع الكيان الصهيوني فعلاً خيانياً للقضية الفلسطينية. وإن كان هناك أنظمة لم تطبع بعد إلا أن رائحة تطبيعها تفوح في الأفق، القريب أو البعيد. أمر يضع كل الأحزاب الشيوعية العالمية، والعربية بخاصة، أمام تحدٍّ يستلزم منها وضع برنامج مواجهة موحد على أكثر من صعيد، والعودة إلى ربط التحرير بالتغيير. فالتحرير إن انفصل عن التغيير، أو التغيير انفصل عن التحرير، سوف تفشل كل الاحزاب الشيوعية، وتحديداً العربية، في مواجهة وقف موجة التطبيع.

لقد حان الوقت لهذه الأحزاب أن تعمل على توحيد جبهاتها الداخلية، كل وفق ظروفه الداخلية، لتعاود تمتين موقعها الداخلي لخلق جبهات تغييرية داخلية وبشكل مواز خلق جبهات تحرير تقف في وجه موجة التطبيع لتتحرر فلسطين من الاحتلال الصهيوني. ولتبقى فلسطين بوصلة النضال التحريري والتغيير الداخلي بوصلة النضال الداخلي، ليستكمل كل طرف من هذه الاطراف معادلة ربط التحرير مع التغيير.

فها هي ذي ذكرى 16 أيلول تعاود تجديد ذاتها لمواجهة تحدٍّ جديد، فهل سوف تثبت انتصارها على مستجدات اليوم كما أثبتت انتصارها على مستجدات الأمس، وتقف وتواجه العالم الخائن وتقول كلمتها: (نعم، العين تقاوم المخرز!)؟!

العدد 1107 - 22/5/2024