يتظلّلون بالقانون.. وهم أوّل من يخرقونه!

محمد إنجيلة:

المنافق بالعرف العام هو رجل متسلق.. وصولي.. شعاره الرئيس: الغاية تبرّر الوسيلة! لسانه ينطق حسب الموقف.. لديه تبرير لأي شيء.. وهو أول من يدّعي التزامه بالقانون والأنظمة.

في العرف الديني: آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.

 

وصف النفاق الوظيفي

في ظل الأزمة الوطنية الكبرى التي تعانيها سورية منذ عشر سنوات، وفي ظل اقتصاد محاصر، برز النفاق الوظيفي وفاحت رائحته العفنة في معظم مؤسساتنا الحكومية، وأطلقت التسميات المختلفة (فهلوة، شاطر، مدبر حالو)، التي تسيء لعمل دوائر الدولة وتعرقل أمورها، وأصبح وسيلة رخيصة لجني المال.. وأصبح ثقافة نبتت لها أسنان لقضم المبادئ والأخلاق وتجاوز القانون. وطغت هذه الثقافة على ثقافة العمل المنتج والإتقان والإخلاص.

إن النفاق الوظيفي مؤشر هام على سوء التنظيم، مع تحالف وترابط مع الفساد المستشري كالنار في الهشيم.

 

كيف يحدث النفاق الوظيفي؟

من منا لا يدرك خطر الوشاية بين زملاء الدائرة الواحدة؟ هناك من ينافق لكسب ودّ المسؤول وهكذا صعوداً. والوشاية هي قمة النفاق والتزلف.. فتكثر الفتن والبلبلة بين موظفي الدائرة الواحدة، وبين الإدارة والموظفين أنفسهم.. تُقلب الأشياء، ظاهرها باطنها، تأخذ الأنا الذاتية دورها.. ولا نغفل دور المدير في تشجيع هذه الظاهرة، وإحاطة نفسه بعدد من الموالين والعيون، ظناً منه أن قنوات الاتصال على المعلومة الحقيقة أسرع. البعض في المراتب العليا بالدائرة يتصنع المثالية، غطاء لفشله الإداري ولعيوبه.. موظفون كثيرون يبتسمون للمدير بمحيّا جميل، ثم يلعنونه في الخلف مليون لعنة.

 

ثقافة التسلط

وهي مستشرية في دوائرنا الحكومية، مثلاً رئيس دائرة تنعكس مشاكله النفسية والعائلية والداخلية على موظفي دائرته الذين يحاولون اتقاء شرّه وغضبه، خاصة إذا كان يملك من السلطة ما يخوله فعل أي شيء بالموظف. ولبعض أصحاب القرار ميلٌ لتشجيع هذه الفئة من المديرين لضمان تبعيتهم، فتنشأ ثقافة الشللية والتشابك المصلحي. طبعاً لا نغفل دور الوشاية داخل كل مؤسسة أو إدارة، وأحياناً انعكاساتها السلبية، فالولاء هو الذي يقرر وليس الكفاءة، وأحياناً تتحرك قرارات المدير إلى عامل أساسي في التقرير أو الإبعاد لمن لا يدينون بالولاء التام الناجز.

 

الآثار الضارة لظاهرة النفاق الوظيفي

  • نشر ثقافة جديدة تظهر النفاق وسيلة اجتماعية مقبولة لا غبار عليها.
  • عدم تكافؤ الفرص، وهذا بحد ذاته أحد العوامل الأساسية السلبية في عمل الدائرة.
  • تراجع القيم والمبادئ (النزاهة والشفافية)، فالمصالح هي شكل العلاقة الإنسانية.
  • تراجع الأداء المتبع بسبب السلوك غير المعياري في الترقي الوظيفي والمهني القائم على التحصيل العلمي، وبالتالي تباطؤ في النمو الاقتصادي مع نزيف كبير في الموارد البشرية.
  • إحدى أهم نتائج النفاق الوظيفي ارتباطه وتحالفه مع الفساد، وبالتالي نتائجه المدمرة على اقتصاد الدولة ومواردها.
  • وجود إدارة لا تتقن إنجاز برامج عمل بسبب عدم كفاءتها، يؤثر على إنتاجية العمل.

 

كيف نحارب هذه الظاهرة المسرطنة؟

لابد من اعتماد آلية علمية واقعية تتيح المجال للتخفيف والتخلص من هذه الآفة، وهذه تحتاج إلى جهود بحثية وقانونية، ومزيد من الشفافية، وإلغاء مواد في قانون العمل كالمادة 137 وبما يكفل تكافؤ الفرص وعدم التمايز والمساواة. واعتماد المعايير المهنية والعلمية في تبوّؤ المراكز، والمحاسبة الدورية واعتماد نظام حوافز علمي وواقعي، والخلاص من التعيينات على أساس سياسي، واعتماد المعلومات المطلوبة الحقيقية من أساس واقعي ميداني يفصل الحقيقة عن التزييف، وتقديم الأشخاص المؤهلين القادرين، واعتماد آلية الثواب والعقاب وفق معايير صحيحة، وليس وفق تقارير كاذبة أو ملفقة.

أخيراً.. إذا كانت الظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا ساهمت في تنشيط هذه الظاهرة، فذلك لا يعني عدم التصدي لها ومحاربتها.. ولا ننسى أن هناك كثيرين من المخلصين في دوائر الدولة، يبذلون الغالي والرخيص، ويعملون لتعزيز دور الدولة الهام في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في طول البلاد وعرضها.

 

العدد 1105 - 01/5/2024