روسيا ومواجهة تمدّد الناتو

د. صياح فرحان عزام:

تُشرف العملية العسكرية الروسية الدفاعية في أوكرانيا على إتمام شهرها الخامس وبداية شهرها السادس، وليس في الأفق القريب ما يشير إلى نهايتها، خاصة أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة وبتحريض واضح منها يقف بكل ثقله وراءها من خلال تزويد أوكرانيا بكميات هائلة من الأسلحة منها أسلحة نوعية، وعبر استمرار فرض رزم العقوبات على روسيا، وإن كانت بعض هذه العقوبات أصبحت تنعكس على الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين، بمعنى أوضح أصبحت هذه الحرب مواجهة حقيقية بين روسيا والغرب ينفذها حلف الناتو فوق الأرض الأوكرانية، بهدف توسع هذا الحلف باتجاه الحدود الروسية والسعي لتطويق روسيا وإضعافها.

وفي هذا السياق يشير عدد من الباحثين إلى أن العلاقات بين روسيا من جهة، وواشنطن وحلف الناتو وأوربا من جهة أخرى تشهد نوعاً من التوتر منذ عام 2007، ومن هؤلاء الباحثين ميشال غينيك الذي نشر مقالة سنة 2008 بهذا الشأن يوضح فيه أن الأجواء حينذاك كانت شبيهة إلى حد بعيد بأجواء التصعيد التي سبقت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، الأمر الذي يدعم الدراسات التحليلية التي تستنتج أن ما يدور من معارك على الأرض الأوكرانية يمثل تمظهراً جديداً لحرب (كامنة) كانت تحضر لها واشنطن وحلفاؤها، وكان من الممكن أن تندلع منذ 15 سنة خلت، فقد وصلت حينئذٍ المفاوضات الروسية – الأمريكية إلى طريق مسدود بشأن عدة ملفات، من بينها نشر المنظومة الصاروخية الأمريكية في أوربا الوسطى، ومستقبل القوات التقليدية في أوربا، والترسانة النووية والوضعية النهائية بـ(كوسوفو)، وهي ملفات مثلت في مجملها ذرائع غربية لترسيخ حضور الناتو في أوربا، وتراجعاً عملياً في الوقت نفسه لمشروع التكامل الأمني الأوربي لمصلحة الهيمنة الأمريكية على القارة العجوز إلى جانب محاولات إضعاف روسيا.

وكان الرئيس الروسي بوتين قد شعر بذلك، وندد في مؤتمر ميونيخ في شهر شباط من السنة نفسها 2008 بما أسماه بالأحادية القطبية الأمريكية، وازدواجية المعايير الموروثة عن ذهنية وممارسات هذه القطبية، مؤكداً أن هذه الأحادية القطبية تمثل المحرك الأساسي للسباق نحو التسلح، وهي أحادية مدانة ومرفوضة تتجسد في استخدامها للقوة المفرطة وغير المشروعة في التعامل مع المسائل الدولية. ودعا الرئيس بوتين في الوقت ذاته إلى ضرورة البحث عن توازن معقول يحفظ مصالح كل القوى الفاعلة في سياق حوار دولي بناء. وكان واضحاً من خلال كلامه في عامي 2007 و 2008 أن روسيا مستاءة إلى حد كبير من تخطي الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة لكل الخطوط الحمراء، وإصراره على تمدد الناتو شرقاً لتطويق روسيا والحد من دورها.

وبناء على ما تقدم يجمع العديد من الباحثين كما أشرنا في بداية المقال على أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ووقوف الغرب وراء رئيسها زيلينسكي، كل ذلك هو نتيجة تراكم ناجم عن حقد الغرب على روسيا ومحاولاته للحد من صعودها واستعادة مكانتها، والدليل على ذلك رفض الغرب منذ تسعينيات القرن الماضي وقف عملية توسيع حلف الناتو شرقاً، ونظرته إلى روسيا بأنها دولة ضعيفة اقتصادياً، وأنها نموذج لما أسموه (دولة استبدادية) تعيش على ريع تصدير البترول والأسلحة والغاز (حسب ادعاءاته).

وفي الحقيقة فإن الغرب كان يهدف ولايزال إلى جعل روسيا دولة تابعة لنفوذه كما كانت في عهد غورباتشوف ويلتسين، أما ما يردده الإعلام الغربي بأن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا هي التي أدت إلى توسع الحلف (حلف الناتو) فهذا غير صحيح، لأن تمدد الناتو بدأ منذ نهاية القرن الماضي عندما انضمت إليه بولندا ورومانيا، ثم إن السويد رغم حيادها المزعوم، كانت جزءاً من المنظومة الأطلسية، ولهذا كله اضطرت روسيا إلى عمليتها الدفاعية في أوكرانيا، فمن غير المعقول أن يبقى الغرب متحكماً بمصائر مليارات البشر.

 

العدد 1105 - 01/5/2024