التوجه نحو الأعلى!

رمضان إبراهيم:

ثمة أشياء يقف المرء حيالها مكبّل اليدين عاجزاً عن إيجاد طريق يسلكه كي يؤمّن الوصول الآمن إلى لقمة العيش بأقل الخسائر. والمواطن المعتّر والمضروب بألف لكمة ولكمة على وجهه، والذي لم يعد يتبين الاتجاهات الموصلة إلى آخر هذ النفق الذي يعيش به، هذا المواطن يعيش في حيرة من أمره على مدى عقود من الزمن .

عقود من النهب المستمر والجوع والإفلاس والانتظار والمحسوبيات والترحّم على من سبق أن زار الدنيا والآخرة .. عقود ورقبة هذا المواطن ورقبة الذين خلّفوه بأيدي أناس امتهنوا الفساد والسرقة والتلاعب بمصائر العباد والبلاد وهو يقف بانتظار أن يأتي الله بمن هو أفضل، أو أن يرى من نهبوا وسرقوا وتلاعبوا وقد علّقوا من رقابهم كي يعتبر من سيأتي بعدهم، ولكن المشكلة أن الذي نهب نهب والذي هرب هرب، وكلما أتت أمة لعنت سابقتها.

المواطن الذي لم يعد يجد جنباً مريحاً كي ينام عليه بات يقضي ليله دون نوم يردّد ما قالته السيدة أم كلثوم ذات يوم (أنا فاض فيّا وملّيت)! ولأن المواطن في بلدنا هو أهم ثروة موجودة على وجه الأرض (طبعاً بعد الثروة الحيوانية) فإن صوته مسموع ويجد على الفور من يسارع إلى نجدته وتلبية مطلبه فوراً (يبدو أنني سأبدأ بالهذيان ولهذا سأخرج من الحديث عن المواطن).

وما دمنا قررنا الخروج من الحديث عن أخينا المواطن الذي من كثرة الهموم لم يعد رأسه يستوعب أيّ هم جديد، سنتحدث عن الحكومات المتعاقبة على تفريخ المشاكل والهموم التي أثقلت رأسه وجعلته يقضي ليله ونهاره وهو يترقب ولسان حاله يقول في سرّه: اللهم نجّنا من الأعظم!

ووقع الأعظم .. ووقع الذي حذّر منه كل ذي بصيرة من أن التمادي في الفساد والإفساد سيجرّ البلاد والعباد إلى مالا تحمد عقباه، واستيقظنا على بحر من الدماء والدموع .. بحر من الفجائع اليومية المتنقلة .. بحر من الخراب لم يترك في طريقه شيئاً إلاّ وجرفه!

وعاد المواطن للتعلق بحبال الهواء علّها تنجيه وتخرِجه مما هو فيه، وسمعنا عن لجان أزمة وفرق عمل أزمة وهيئات أزمة ومؤسسات أزمة وتجمعات أزمة وحكومات أزمة، وكلّها تسعى وتجتهد في سبيل تأمين مزيد من الأزمات على رأس هذا المواطن البائس!

وما إن تتحدث في مكان ما عن همومك اليومية الكثيرة وعن صعوبة البقاء واقفاً في ظل ما نشهده من فلتان أمني وتمويني واقتصادي وثقافي وأخلاقي وعلى جميع الأصعدة كي لا يطول بنا المقام ونسقط في بحر التعدادات، حتى يخرج عليك مَن يوبّخك ويطعن في وطنيتك ويتّهمك بألف اتهام واتهام ويحشرك في خانة العميل أو الخائن لبلده، لأنك لم ترحم حكومتك التي تدير الأزمة بحنكة واقتدار.

وما دمنا ذكرنا الحكومة فلا بد أن نعرّج على إنجازاتها بقليل من الصبر والتجلّد.. الحكومة التي رأينا في ظلّها العجب وبتنا نصوم في رجب وغير رجب، لا رغبة في الإقلال من الذنوب، بل رغبة في التخفيف عن جيوبنا التي لم تعد قادرة على تأمين أبسط الحاجيات اليومية.

حكومة الأزمة كما أسموها كانت بالفعل حكومة أزمة، أو لنعطِها حقها الذي تستحق، ولنقل إنها كانت حكومة أزمات بالجملة، فالمواطن في ظل هذه الحكومة انتقل من مطب إلى مطب ومن جورة إلى أخرى، بدءاً بأزمة المازوت والغاز والبنزين وصولاً إلى أزمة الخضار والفواكه والحبوب والخبز وكل هذه الأزمات بسبب ارتفاع الدولار ارتفاعاً جنونياً!

لسنا الآن بصدد تعداد الخيبات والانكسارات التي وقفت بوجه المواطن المعتّر كالطود الكبير أو كالجبل الشامخ (أركّز على المواطن المعتّر لأن المواطن غير المعتّر لا يختلف الحال عليه في أي وقت من الأوقات، فهذا المواطن دبّر أموره كما يقولون). لسنا بصدد تعدد الخيبات ولكننا نقول بالفم الملآن:

إذا كانت الحكومات السابقة على مدى سنوات عديدة قد توجّهت غرباً وراكمت ثروة من كان فيها أو من كان يمتّ بصلة لمن كان فيها وجلبت علينا الوبال والفقر والتعتير وكرّست سياسة اقتصادية هزيلة وساقطة أدت من خلالها إلى ما أدّت دون أي سؤال أو استفسار أو تحقيق بل على العكس أصبح بعض من كان فيها كالدردري يشغل منصباً في منظمة دولية، ويبحث الآن عن كيفية الإعمار! وإذا كانت حكومة الأزمة الحالية قد قررت التوجه شرقاً، ونتيجة ذلك ارتفعت الأسعار بشكل جنوني وقفز البنزين أضعافاً مضاعفة وأسطوانة الغاز والكاز والنسيج وقطع التبديل وغيرها وغيرها حتى لم يبقَ إلا رغيف الخبز بمنأى عن تلك القفزات الطويلة وفي بعض المناطق فقط وكأن الانسان يستطيع العيش على الخبز.. الخبز فقط!

التوجه غرباً جلب لنا الكوارث الاقتصادية والسياسية والنفسية، والتوجه شرقاً أدى خلال أقل من سنة إلى تضاعف الأسعار لأكثر من ثلاث مرات، إذاً في ظل هذه التوجهات وهذه النتائج، هل بقي على المواطن المسكين إلاّ أن يتوجه إلى الأعلى ويبتهل إلى الله أن يحميه مما هو أعظم؟!

اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن اللطف .. اللطف والرحمة .. وللحديث بقية!!

 

العدد 1105 - 01/5/2024