ما يجري في أوكرانيا (صراع حضارات)؟

د. صياح فرحان عزام:

اعتاد الغرب على مدى تاريخه، وبالطبع معه الولايات المتحدة الأمريكية، على التمرجل على الدول الضعيفة والصغيرة، على النحو الذي رأيناه في ليبيا، فقد كانت الطائرات الفرنسية تسرح وتمرح في الأجواء الليبية، كذلك كانت سماء بغداد مفتوحة أمام الطيارين الإنكليز ليستعرضوا مهاراتهم، وفي الصومال نزل المارينز الأمريكي على الشواطئ ليقتل ويستعرض، ثم تنتج هوليود أفلاماً قائمة على الأكاذيب عن بطولات هؤلاء الجنود المعتدين.

في أفغانستان قصفوا كل شبر في أراضيها، وقتلوا الكثيرين دون أن يعترضهم أحد. إسرائيل تعربد وتقتل من تشاء وتعتقل من تريد، وتشن الغارات شبه اليومية على مواقع مدنية وعسكرية سورية.

ولكن الأمر مختلف هذه المرة بالنسبة للغرب، فالأمريكان يعرفون جيداً أن روسيا ليست طالبان، ولا العراق، ولا شرق سورية، والفرنسيون والإنكليز الذين استباحوا سماء ليبيا والعراق وقصفوا بطائراتهم ودباباتهم كل جسم متحرك، يدركون أن دباباتهم وطائراتهم ستحترق إن اقترب من حدود أوكرانيا.

إذاً، هذه هي قصة الحرب في أوكرانيا، أي أن قيم الحرية والديمقراطية، وحقوق المرأة، والعدالة، وتمكين النساء، والمناهج التي تحرر العقل، كل ذلك يطبق على الضعفاء والفقراء، مصحوباً ببعض المساعدات المادية وشحنات حليب الأطفال.

أما أمام روسيا، فلا يستطيع الغرب ممارسة هذه الأدوار التي مارسها في العراق وليبيا وأفغانستان، لأنه يدرك أنه يقف أمام دولة قوية، والأهم أن روسيا حضارة وثقافة وعلم وتاريخ عريق، حمت كرامة أوربا التي مرّغها هتلر بالتراب، وصدّرت للعالم ولاتزال الموسيقا والمسرح والرواية والأدب والتقنيات المختلفة، لم تستعمر دولة أو شعباً.

إذاً، ما يجري في أوكرانيا أكبر من حرب بكثير، هو صراع حضارات، حضارة امتهنت أن تفرض منتجاتها على العالم بالقوة وبالإغراءات والنفاق، وحضارة أخرى تتعاطى مع العالم في إطار الشراكة وتقاسم رغيف الخبز، حضارة ليس لها ماض استعماري مثل فرنسا وبريطانيا وأمريكا، ولم تنهب ثروات الشعوب وتشن الحروب عليها تحت ذرائع كاذبة.

في روسيا والصين لن تجد إنساناً يعاني من التفرقة والعنصرية والاضطهاد.. روسيا تتحدث باسم الفقراء وتقاتل باسمهم ومن أجلهم وتقول للعالم كله: يكفي سطوة الحضارة الغربية، كفى الغرب تسلطاً ونهباً واستبداداً! روسيا تحاول تحرير العقول، وسيدرك الأوكرانيون أنه تم توريطهم في لعبة خطيرة، جعلتهم أمريكا وحلفاؤها في الغرب وقوداً لها، وأن روسيا هي عمقهم الحقيقي، وأن الغرب كذب عليهم وسار بهم إلى أتون المحرقة.

إن العملية العسكرية الدفاعية الروسية في أوكرانيا دشنت بداية النهاية المحتومة للثقافة والحضارة الغربية، وللتسلط الأمريكي الغربي على الدول والشعوب الصغيرة.

أيضاً، الصين قادمة بقوة وبعقلانية، وستستعيد (تايوان) بأي شكل من الأشكال، حرباً أو سلماً، هذا قرار اتخذ ولا رجعة عنه.

إن النار التي أشعلها الغرب على مدى خمسين عاماً وحرق بها الفقراء والشعوب ودمّر من خلالها الأحلام والطموحات، لن تكون بعيدة عن قصر الإليزيه، ولا عن 10 داوننغ ستريت، ولا عن مبنى المستشارية الألمانية ولا عن البيت الأبيض الأمريكي، ولا عن مبنى الكنيست الصهيوني.

أما نهاية الرئيس الأوكراني الصهيوني- إذا قُدّر له أن يبقى حيّاً- فستكون في إسرائيل التي يحمل جنسيتها مع عشرة من وزرائه، منفاهم. وسيتعلمون مما ارتكبوه من جرائم بحق بلادهم وبحق العالم أجمع درساً مفاده: إن النازية لا يمكن أن تعود من جديد كما خطط لذلك الأمريكيون من المحافظين الجدد وأنصارهم، وأن نهاية الحلم اليهودي ستكون التغريب والسبي، لأن زيلينسكي وزمرته هم من الصهاينة المتعصبين الذين يحبون الدماء والدمار بالشهية ذاتها وبطريقة التفكير والممارسة نفسها.

باختصار.. نعود للقول: ما يجري في أوكرانيا هو هزيمة للغرب، وانتصار لحضارة ليس لها ماض استعماري توسيعي.

 

العدد 1105 - 01/5/2024