وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وإرهاب الأسعار .. تناقض بين تصريح الوزير والواقع المعيش

سليمان أمين:

ما يعشيه المواطن السوري اليوم من فقدان السلع والاحتكار وفوارق التسعير اليومية التي تقفز بشكل مخيف، يمكن تصنيفه تحت بند الإرهاب المعيشي القائم على مصادرة لقمة العيش والتجويع، أما التصريحات الإنشائية للحكومة فلم تعد تجدي نفعاً في غياب الشفافية والمصداقية وخصوصاً في المؤسسات الخدمية، ولعل وزارات التجارة الداخلية، والنفط، والكهرباء، هي الأسوأ من خلال تقييم الأداء ومقارنته بالتصريحات الموجودة وتطبيق القوانين الناظمة للعمل، وكلنا يدرك أن الواقع كارثي أمام ما يجري التصريح عنه وما يعمل به، فكل الإجراءات التي اتخذتها وزارة التجارة الداخلية –مثلاً- من أجل تحسين واقع وجودة الخبز، رفعت من سعره أكثر، والمشكلة تكمن هنا في التقصير الحكومي، وهذا ما يجب التركيز عليه من قبل الدولة ومؤسساتها.

أسعار بلا قيود وجداول تسعير بلا حدود! 

فوارق كبيرة في أسعار المواد الأساسية منذ بداية شهر نيسان ومازالت ترتفع دون رادع، فكثير من المواد تضاعف سعره مثل الزيت والسمون والسكر والرز وغيرها من المواد الأخرى، والسبب هو غياب الرقابة التموينية من جهة، وتحكّم تجار الأسواق بكل شيء، حتى بات جلّ القرارات وما توعدت وزارة التجارة الداخلية به من (الضرب بيد من حديد) هو مجرّد كلام إنشائي لم يعد يجدي نفعاً، فكثير من عناصر دوريات التموين همّهم جمع أكبر قدر ممكن من الأتاوات من أصحاب المحلات التجارية، والرقابة ذاتها باتت اليوم تحتاج إلى رقابة، في مستنقع الفساد الآسن الذي غرقت فيه مؤسساتنا الخدمية من جهة، ومن جهة أخرى ضعف الرواتب أمام إرهاب تجار السوق السوداء وممارساتهم في الاحتكار ورفع الأسعار بقصد زيادة ثرواتهم، مستغلين فرصة الفوضى والحصار الاقتصادي الذي أقنعوا أنفسهم والمجتمع به، واستيراداتهم لم تقف ولو ليوم واحد، أما بالنسبة لنشرة التسعير الوزارية فليست سوى نشرة حبر على ورق غير مطبقة حتى ضمن مؤسسات (السورية للتجارة) نفسها، فأسعارها أعلى من أسعار السوق، وتصريحات سيادة الوزير عبر صفحته غير واقعية، ويمكن زيارة صالات (السورية للتجارة) والاطلاع على الأسعار فيها والأنواع المعروضة ومقارنتها بالأسواق العامة من حيث الجودة والسعر، أما بالنسبة لأسواق (رمضان الخير) التي نظمتها الوزارة في المحافظات فأسعارها مثل أسعار السوق تماماً.

صفقة الزيت ومليون إشارة استفهام

والسؤال الملحّ هو: أين الزيت؟

ماذا حدث في صفقة الزيت التي نُشرت وثائقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي رُتّبت لصالح تاجر واحد، فقد جرى استبعاد كثير من التجار عن المناقصة بتغيير التوقيت من دون إعلامهم عنها، وهو ما لم تردّ عليه الوزارة حتى اليوم بوثائق تكذب ما نُشر، ولكن ما نُشر مجرّد منشور على صفحة سيادة الوزير جاء فيه التالي: (وقد أعلنت السوريّة للتجارة عن مناقصة (استدراج عروض أسعار). أوّل مرة وثاني مرّة، فلم يتقدّم إلّا عرض وحيد، ووفقاّ لقانون العقود تفشل المناقصة في هذه الحالة. وتقوم المؤسّسة المذكورة بالتعاقد بالتراضي مع عارض بعد التحقّق من أن الأسعار تنافس الأسعار في السّوق.

وبالفعل طلبت السّوريّة للتجارة التعاقد بالتراضي مع تاجر بسعر ١.٩٥ دولار لليتر الواحد.

لكنّني، وبعد المشاورة مع السيّد رئيس مجلس الوزراء قرّرت أن تقوم المؤسّسة بعدد من الصناعيّين والتجّار الذين يعملون في الغذائيّات للتواجد في الوزارة للطلب منهم تقديم عروضهم (للتعاقد بالتراضي وليس لمناقصة أو لطلب استدراج عروض أسعار). وتمّت دعوتهم بالفعل لاجتماعٍ ترأسته وتحدثت إليهم وطلبت منهم تقديم عروض يوم الأربعاء السّاعة ١٢.

وقد حضروا جميعاً في ذلك التوقيت مصطحبين مغلّفات مغلقة تحتوي على عروضهم في جلسةٍ مسجّلةٍ بالصوت والصّورة. قلت في بدايتها إنّه لا يوجد كسر لأن العروض هي للتعاقد بالتراضي. وبالتالي لا تُدفع تأمينات إلّا بعد التعاقد. وقبل أن تُفتح المغلّفات دخل تاجر لبناني متأخراً. وقال إنه كان يظنّ أن الاجتماع هو السّاعة ٢ وليس السّاعة ١٢. فقلت له إنّني أبلغت السادة العارضين أن الاجتماع هو السّاعة ١٢، وهو لم يكن حاضراً في الاجتماع الذي قبله والمؤسسة والوزارة غير ملزمةٍ بدعوته أو دعوة أحد بموجب القانون للتعاقد بالتراضي. وبعد مشاورة العارضين، وبما أننا لم نفتح المغلّفات بعد قرّرنا قبول مغلّفه.

وفتحت المغلّفات. وتراوحت الأسعار المقدّمة بين حوالي ٢.٠٢ دولار و١.٧٥ دولار لليتر الواحد. وبهذا قررنا فوز العرض الأرخص. وكان العرض الأرخص هو لنفس التّاجر الذي كانت المؤسسة تنوي التعاقد بالتراضي بسعر ١.٩٥ دولار).

نحن بحاجة إلى وثائق كحاجتنا إلى الزيت، وكذلك المواطنون، لنعرف ما يحصل في كواليس الوزارة و(السورية للتجارة) وأدراجهما المظلمة، التي هدّدت معيشة الشعب بأكبر كارثة، فمن الطبيعي، يا سيادة الوزير، أن تفتح الوزارة الباب أمام كل التجار وأن تقبل بأكثر من عرض لتوفير مادة الزيت والمواد الأخرى بأكبر كمية في ظل الظروف العالمية، لا أن يغلق الباب بوجههم لصالح تاجر واحد.

ختاماً

قبل أي تصريح يجب دراسة إمكانية تطبيقه على أرض الواقع لا أن يكون خارج الواقع تماماً، (السورية للتجارة) ليست تاجراً ولا منافساً بل دورها ضبط السوق، وعملها الآن عشوائي كتاجر وليس كمؤسسة خدمية أسست لضبط السوق، فخسارتها اليوم مضاعفة رغم أجور العمال البخسة.

وهذا أول ما يجب علاجه من خلال خطط تنموية فاعلة واستثمار الخبرات الموجودة ضمن المؤسسات بشكل جدي، وعدم الانحياز الحاصل اليوم للبعض من أصحاب الواسطات والمدعومين الذي لا أفق لهم سوى المصلحة الشخصية.

 

العدد 1107 - 22/5/2024