الأرمن ضحايا لعبة الكبار.. والمجزرة بقيت من دون عقاب بسبب السياسة الدولية

بقلم: ألكسان كيفورك جورباجيان:

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر جرت الحرب الروسية – التركية عامي (1877_ 1878) وقد انتهت بانتصار الروس، فأتيحت الفرصة لرفع القضية الأرمنية إلى الضمير العالمي، ومنح إدارة متواضعة لحكم ذاتي في الولايات الأرمنية الستّ (سيفار- خربوط- ديار بكر- بتليس – فان – أرزروم).

ذكرت القضية الأرمنية في المحافل الدولية لأول مرة ضمن معاهدة (سان ستيفانو) وخاصة البند السادس عشر، الذي يضمن الحماية والمساواة للأرمن ومنح إدارة ذاتية للولايات الأرمنية الستّ.

بعد الصراع الروسي- الإنكليزي لحل أمور الشرق وتلاعب بسمارك، جاءت معاهدة برلين، وأصبحت القضية الأرمنية تحتل البند الواحد والستين، فقلّت امتيازات الأرمن، أما الوفد الأرمني الذي ذهب إلى برلين برئاسة مطران القسطنطينية مكرديج خريميان لم يسمح له بالدخول إلى قاعة الاجتماع، فبقي الشعب الأرمني بين فكّي الجزارين: الأتراك، والعالم الغربي.

أما التحالف الألماني التركي فكان بمثابة الضوء الأخضر لسياسات عبد الحميد الثاني، مرتكب الجرائم الفردية والجماعية لأكثر من ربع قرن. في عام 1894 نُفّذت أول مجزرة جماعية للأرمن في منطقة صاصون وضواحيها، بعد سنة عام 1895 امتدت المجزرة إلى منطقة زيتون ثم انتشرت في جميع المناطق الأرمنية، والجدير بالذكر أن الدبلوماسية الأوربية آنذاك اقتصرت على إظهار تأثرها وتأسّفها فقط.

صدّق الشعب الأرمني الشعارات التي أطلقها حزب العدالة والتنمية بالحرية والأخوّة والمساواة، فناصرهم البعض لأنهم كانوا يحلمون بدولة دستورية تحمي الأقليات وترعى حقوقهم.

بعد استلام (الاتحاديين) الأتراك زمام الدولة اتبعوا سياسة التتريك، أخذت المجازر الأرمنية حيزاً جديداً، فأصبحت أكثر عنفاً وأكثر وحشية، وفي عام 1909 ارتكب الاتحاديون الأتراك مجزرة أضنة التي امتدت إلى جميع أرجاء كيليكيا، وراح ضحيتها أكثر من ثلاثين ألف أرمني.

اتسم أعضاء (تركيا الفتاة) بالتعصب والعنصرية الذي تحول لاحقاً للطورانية، بدأ قادة الاتحاديين الأتراك تنفيذ خطة الإبادة الأرمنية، فقد جرى تجريد الجنود الأرمن من السلاح وإرسالهم إلى وحدات إصلاح الطرقات والسكك الحديدية، وآخرون سيقوا مكبّلين إلى مناطق بعيدة وجرى قتلهم طعناً. بعد أن تخلصوا من الشباب اتجهوا إلى السياسيين والمفكرين، فزجوا بالسجون، منهم من مات تعذيباً والباقي أصدر أمر إعدامهم، بقي الشعب الأرمني أعزل دون قادة ولا ثوريين ولا سلاح، أما زعماء الأرمن الاستسلاميون والسلطة الكنسية فقد كانوا يأمرون بالصبر والتحمّل، ما جعل من الشعب الأرمني شعباً خاضعاً لجميع أنواع القهر والتعذيب وسلب الممتلكات وانتهاك الأعراض حتى التهجير.

اقتُلع الشعب الأرمني من وطنه الأم أرمينيا، لطمس هويته وقتل ثقافته وإبعاده عن عاداته وتقاليده وأبجديته، فهذا ما يسمّى بالتطهير العرقي بكل معنى الكلمة، بعد الانتهاء من الرجال جاء دور النسوة وأولادهم، كان يقال لهن إن الحكومة التركية ستقوم بترحيلكم إلى أماكن آمنة للقاء أزواجكم، وعلى طريق قوافل الموت يُفصل الأطفال عن أمهاتهن ليكبروا في مياتم الدولة بقصد التتريك، أما النساء فيبقى أمامهن خياران: إما الموت، أو الضياع.

كانت عمليات القتل في قوافل النساء، أقل نسبة للرجال، ففي كل استراحة كانت النساء يتعرضن للاغتصاب العلني من قبل رجال الشرطة، وفي كل مدينة تمرّ منها القوافل كان يسمح لساكنيها الأتراك أن ينتقوا ما يرغبون به من جميلات، أما الحوامل فكن يلدن على الطريق وهن ماشيات، دون أن تتوقف القوافل. والأطفال حديثو الولادة كانت تحطم رؤوسهم على الصخور.

كيف لنا أن ننسى مئات الآلاف من الهياكل البشرية وهي باقية على قيد الحياة دون شراب وطعام تملأ محطات الموت في سورية ولبنان وفلسطين، وهذه المجموعات وجدت رعاية خاصة من شعوب المنطقة لأنهم عانوا ما عاناه الأرمن من الطغيان التركي، ومن الضروري أن نتذكر اعتراف طلعت باشا وهو يتباهى (لقد فعلت خلال ثلاثة أشهر أكثر مما فعله عبد الحميد خلال ثلاثين عاماً).

بعد الحرب العالمية الأولى جاء الجمهوريون (الكماليون) لإتمام المآسي والمجازر الأرمنية، فأتمّوا مجازر كيليكيا، أما الفرنسيون الذين أخذوا على عاتقهم مهمة الدفاع عن الشعب الأرمني فتهرّبوا وبقيت جرائم الكماليين أيضاً دون لوم وعقاب.

سكوت الضمير العالمي أتاح الفرصة للمجرم أن يكمل عمله، فسلب لواء إسكندرون من سورية واحتل فلسطين العربية، والشعبي الأرمني والعربي يواجهان العدو ذاته وهي الصهيونية العالمية.

وأنا كسوري من جذور أرمنية، أتقدم بآيات الشكر والامتنان للدولة السورية التي منحتنا حق الانتماء والمواطنة، ولإخوتي العرب الذي قاسمونا الوطن والهوية، وبكل فخر أحيي محور المقاومة وكل شهيد سقط ليحيا الوطن.

العدد 1105 - 01/5/2024