في وداع الرفيق يوسف نمر

ألقى الرفيق د. عاطف البطرس كلمة نيابة عن آل الفقيد.. وشكر المشاركين في التشييع، في كنيسة الصليب المقدس.. هذا نصها:

الآباء الأجلّاء.. أيّها المشيعون الكرام!

اسمحوا لي، باسم آل الفقيد وأسرته وباسمي، أن أتوجه بالشكر لكلّ من شاركنا حزننا، سواء بالحضور أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأخصّ بالذكر من ساهم معنا في حمل أعباء مصابنا، ورافقنا في مراسم تشييع جنازة الفقيد الكبير يوسف نمر (أبو سعيد)، الذي وهب جلّ حياته في سبيل قضية وطنه ونصرة شعبه على اختلاف الظروف.

كثيراً ما تساءلت، في حوارات وأحاديث مع إخوة الفقيد وأسرته ورفاقه، كيف جمع الفقيد (الراحل عنا المقيم فينا) كل هذه الصفات والمآثر في شخصه: الوطنية الصادقة، والقومية الأصيلة، والإنسانية المنفتحة، والطبقية الأممية.. مقدّماً نموذجاً يحتذى في العلاقة الجدلية الخلاقة المتفاعلة والمتكاملة بينها.

من عرف الفقيد عن قرب: صديقاً له، أو رفيقاً في حزبه، أو قريباً منه، أو فرداً في عائلته وأسرته، لمس فيه الشجاعة في الموقف، والاستقامة في السلوك، والإخلاص للصداقة، والترفع عن الادعاء، والبساطة في التعامل والانسجام بين القول والفعل، ولعل هذه المزية من أهم خصائص وصفات الفقيد، إضافة إلى الهدوء وعدم الانفعال، والحكمة والتعقل في اتخاذ القرارات في المواقف الصعبة، والليونة في إبداء الرأي، مع المحافظة على الصلابة في القضايا المبدئية، والحرص على المثل الإنسانية السامية مع مقدرة فائقة على الإصغاء، وطلاوة الحديث وعمقه.

أبو سعيد مثقف عضوي، متمكّن من تاريخ الشعوب ونضالاتها من أجل الحرية، ومساهم في رفع الظلم عن المضطهدين أينما كانوا. تميّز الفقيد بالعقلانية في التفكير، وآمن بالعلم طريقاً للخلاص من الجهل، واهتدى بالفلسفة المادية الجدلية منهجاً وطريقة في التفكير وفهم العالم والمجتمع، كما آمن بالإنسان صانعاً للمعجزات ومحرّكاً للتاريخ.

كان أباً عطوفاً، حنوناً، وزوجاً خلوقاً قليل التطلب، معطاء وكريماً محباً للناس وبشكل خاص الأطفال منهم، أخاً معلماً لإخوة ما خانوا قيمه ومبادئه، فكانوا مثالاً في التآلف والتعاون والمحبة والتماسك، معترفين له، حياً وراحلاً، بريادته وأبوّته الفكرية لهم، مشيدين بروحه الكفاحية وتفانيه ومؤهلاته الاجتماعية وإمكانياته الفكرية ومواقفه المبدئية، ومحبة الناس له وتقديرهم لنزاهته.

نم قرير العين هانيها، يا أبا سعيد، فما تركته من مآثر ومناقب وخصال كفيلة بتخليدك: وطنياً صادقاً وقومياً مخلصاً وأممياً نبيلاً.

أخيراً أتشرف وأعتزّ بإلقاء كلمة آل الفقيد وأسرته، وأعترف لك رفيقاً وصديقاً وأخاً أكبر بأن طموحي الذي لم يتحقق أن أبقى تلميذاً مجتهداً في مدرسة قيمك ومثلك الإنسانية_ زوجاً وأباً ورفيقاً وصديقاً وإنساناً صاحب رأي وموقف يترفع عن الخاص من أجل العام.

ستبقى حيّاً في قلوبنا، وعهدُنا إليك الوفاء والإخلاص لما زرعته فينا من قيم ومثل عاملين على تحقيقها وممارستها في حياتنا اليومية مع الاعتراف بأن كواهلنا أعجز من القدرة على حملها، لكننا سنحاول ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

العدد 1104 - 24/4/2024