مشروع لقتل جماعي

د. ناديا خوست:

في الحقيقة، ليست الحرب على أوكرانيا، بل على روسيا. وصدق المرحوم وليد المعلم يوم قال للسيد لافروف: (هؤلاء ليسوا شركاؤكم! هؤلاء أعداؤكم)! هذه الحرب على روسيا شاملة، اقتصادية، إعلامية، وعسكرية تنفذها المنظمات الفاشية الأوكرانية، والمرتزقة، بالأسلحة الغربية. وستكون أوربا نفسها من ضحاياها. أمرتها الولايات المتحدة بأن تنتحر. وتنتحر.

لا تقبل الولايات المتحدة دور الشعب الروسي في التاريخ الإنساني. منذ زمن طويل ترى روسيا عدوة. ومن المحيط الذي يمكن أن تؤخذ منه، أوكرانيا. خلال انسحاب القوات السوفيتية من ألمانيا الشرقية، نهبت أسلحة تلك القوات في أوكرانيا. ومنذ إلغاء المعسكر الاشتراكي، بدأ العمل لبناء أوكرانيا بروح أطلسية. نجح الغرب بتأسيس بنية أوكرانية مناسبة لحرب شاملة تدمّر روسيا. سلّح القوميين الأوكرانيين، والنازيين الجدد من كتيبة آزوف. واستخدم أوكرانيا أداةً أمريكية، فشاركت في غزو العراق سنة 2003. وارتكب ألكسندر تورتشينوف، رئيس مجلس أمن الدفاع القومي الأوكراني، نائب رئيس مجلس الوزراء، جرائم في أفغانستان والعراق. وكانت الثورة الملونة سنة 2014 ثمرة جهد شاركت فيه الجمعيات غير الحكومية، التي تمولها الولايات المتحدة، وورثة كتائب بتلورا القومية الفاشية، ومجموعات جهادية إسلامية، وقطاعات الفساد. وقد رأينا التطبيق بالصور يوم أحرقوا أربعين مدنياً في بناء النقابات في أوديسا.

أطلق الرئيس زيلينسكي، الذي كان مهرجاً كوميدياً من الدرجة العاشرة، نشاط تلك المجموعات. وهب ديميتريو ياغوش، أحد رؤسائها، وسام البطل الوطني، وعيّنه مستشاراً لرئيس الجيش الاوكراني. وأباح الاستعراضات التي رفع فيها النازيون علم الصليب المعقوف، وربطوا على أذرعهم شعار (إس إس) الهتلري.

ألم تذكّر هذه البنية المقاتلة الفاشية، واستعراضاتها شبه العسكرية، روسيا، بألمانيا النازية التي دفع الاتحاد السوفييتي ملايين القتلى ليتحرر ويحرر أوربا منها؟ لا تـزال عشرات آلاف القبور ومئات النصب التذكارية في أوربا تشهد على الثمن الذي دفعه المحررون السوفييت. فماذا يعني لروسيا تسليح البنية الفاشية بأسلحة حديثة أمريكية وأوربية، وتعبئتها بالحقد على الروس، وقصف البيوت الروسية؟

خلال ذلك، نشرت الولايات المتحدة في أوكرانيا مخابر جرثومية كشفتها العملية العسكرية. قال لافروف: (لدينا أدلة على انشغال البنتاغون بمصير المنشآت الكيمياوية والبيولوجية في أوكرانيا. يقلق البنتاغون الذي نشط في تأسيس مخابر عسكرية بيولوجية في كييف وأوديسا، فقد السيطرة عليها. أنشؤوا أيضاً مخابر بيولوجية وكيمياوية قرب الحدود الروسية). وقال الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية: (خططت الولايات المتحدة العمل على نشر مسببات الأمراض الفتاكة، بالطيور والخفافيش والحشرات والزواحف). وصرح إيغور كيريلوف، مدير قوة الحماية من الإشعاع والمنتجات الكيمياوية والبيولوجية في الجيش الروسي: (بنيت شبكة من 30 مخبراً على الأرض الأوكرانية بناء على أوامر وزارة الدفاع الأمريكية. وقد بُلّغت كلّها في 24 شباط أمر وزارة الصحة الأوكرانية بتدمير العناصر البيولوجية الموجودة في المخابر). قصدت وزارة الصحة الأوكرانية بذلك الأمر إخفاء الجريمة والتواطؤ على شعبها! يذكّرنا ذلك بمشهد آخر من العنصرية الأمريكية التي تبني مخابر جرثومية بعيداً عن قارتها، على حدود روسيا: ففي سنة 2008 التي نظّمت فيها الولايات المتحدة أحداث جيورجيا، ونصبت عليها أشخاصاً مزدوجي الجنسية، وأنجزت فيها مخابر تصنّع الغبار الجرثومي.

هل ننسى أن الولايات المتحدة هددت سورية بالقصف يوم ادعت أن فيها أسلحة كيمياوية؟ وأنها غزت العراق بذريعة أسلحة الدمار الشامل؟ أمس ملأت الفضاء بالصخب مدّعية أن الصين ابتكرت كورونا! فماذا يقال الآن والأدلة في اليد الروسية على تجهيز بنية نازية أوكرانية بأسلحة جرثومية، في وضع عالمي تحاول فيه مجموعة من الدول أن تثبت أنها قطب آخر في العالم؟ ألا يعني ببساطة إبادة شعوب (العدو) بالجراثيم والأمراض الفتاكة؟ هل يغيب عنا أن الطيور المهاجرة، والحشرات التي تحمل تلك الجراثيم، لن تميز مدنياً من عسكري، وجنسية من أخرى؟ وأن الفاشية والجراثيم ستهدد أوربا نفسها؟ أهكذا يخطط لإبادة البشر ببساطة، لأن النخبة التي تدير العالم الغربي لا تقبل التطور الطبيعي في التاريخ الإنساني، ويمكن أن تمنعه بحرب عالمية تبدؤها من أوكرانيا على روسيا؟ في هذا السياق، إذاً، أحلام شفاب، مدير دافوس، ونخبته المالية: تقليص سكان الأرض لتبقى البيئة نظيفة للنخبة الباقية وخدمها!

قد يجهل أكثرنا تفاصيل هذا المخطط الشرير الذي قرر مصائر البشر، لكنه لم يغب عن القيادة الروسية التي تملك المعلومات، فكانت العملية العسكرية دفاعاً استباقياً. لكن المخابر الجرثومية تعنينا جميعاً. لأنها تتصل بمصير الحياة على الأرض! لأنها تشهد على التطاول على قوانينها، وابتكار أنواع مستحدثة من الموت الجماعي للشعوب! لأنها تعني عدواناً على جهد الطب طوال عصور لإنقاذ الحياة وتخفيف الألم الإنساني! ولنا الحق في اليقين أن فايروس كورونا الذي اجتاح العالم، ودمّر مجموعات من البشر ومؤسسات اقتصادية، تجربة في حرب جرثومية عالمية رسمها ذلك العقل العنصري الشرير، ومارست فيها النخبة السياسية ديكتاتورية (الإغلاق الشامل).

تتجاوز العملية العسكرية الروسية، إذاً، حماية الأمن الروسي. لا تدافع روسيا عن نفسها فقط، بل تنقذ العالم من حرب جرثومية تتوهم الولايات المتحدة أنها ستنجو منها في قارتها البعيدة. وها نحن نشاهد في هذا المنعطف التاريخي نقيضين: عبودية الأنظمة الأوربية التي لا تبالي بخطر مخابر جرثومية في قارتها، على حياتها. وتحرر روسيا من رموز النفوذ الغربي والشبكة المالية الغربية.

يقول المفكر الروسي ألكسندر دوغين: (هذه ليست حرباً على أوكرانيا! هذه مواجهة ضد العولمة. مواجهة على جميع المستويات جيوسياسية وفكرية. ترفض روسيا كل شيء في العولمة: القطب الواحد، الأطلسية، الليبيرالية، ومعاداة التراث، والتكنوقراطية).

نتمنى لسورية، أيضاً، التحرر من هواة العولمة ورموزها وعبيدها ودعاتها.

 

العدد 1107 - 22/5/2024