أزمة فكر وأخلاق

ريم داوود:

لا تختلف حياتنا الحالية عن سابقتها إلّا من ناحية التكنولوجيا والتقنيات، التي أتت في سياق ثورة رقمية غزت العالم بأسره محوّلة إياه من نظام السلحفاة إلى سرعة الأرانب. آلات تعمل حوّلت البشر إلى ماكينات، هدفها الأسمى هو جني المال وتحقيق الربح، أو في أدنى أحلامها هو الحفاظ على البقاء. سنوات وسنوات مرّت على أجيال من الأفراد عهدوا فيها التغيّر والتطوّر والنمو، لكنهم ما عهدوا يوماً أزمة أخلاقية كالتي نشهدها اليوم!

حوار دار بين معلمات ضمن أحد اللقاءات حول ما آلت إليه أحوال التلاميذ من انحدار أخلاقي وانحلال فكري لم يسبق له مثيل، مداخلة بسيطة من قبلي أَضفتُ من خلالها التالي:

إن كُنّا نعاني من أزمة على صعيد البالغين والحاصلين على شهادات مرموقة، فما العتب على صغار يكسبون من المحيط ما يزودون به؟ لا يمكننا أن نحاسب هؤلاء الأطفال على سلوكيات يمتصون معظمها من الوسط المحيط، فهؤلاء مجرّد أطفال يتلقون ما ينسكب منّا أمامهم.

تساؤل يراودني بكثرة: أليس من المفترض أن يُهذِّبَ التعليمُ أخلاق الأفراد، ويرتقي بهم نحو الأفضل؟ أم أننا أصبحنا في عصر نسعى فيه إلى امتلاك شهادات بهدف (البريستيج) الاجتماعي؟ خلاف بسيط بين فتاتين انتهى بمشكلة كبيرة ومشاحنة مزعجة، والسبب فظاظة السلوك وتدني الأخلاق من شابة يُفترض أنها على مستوى من العلم والمعرفة والثقافة يكفي لجعلها أرقى بكثير ممّا حدث، وأي ثقافة تلك هي الموسيقا؟ الموسيقا التي إن لم تغيّرنا هذَّبتْ أرواحنا وخاطبت عقولنا، وناغمت مشاعرنا، واسترسلت في ثنيّات أجسادنا. سوء فهم بسيط تطوّر إلى ألفاظ وسلوك غير مقبول من فتاة بالغة راشدة مُربّية يُفترض أنّها تُلقّن الأجيال الحسّ المُرهف والجمال مُتجلّياً بآلات وأنغام، جعلني أقف مدهوشة إزاء ما حصل!

هل يحتاج الرقي في التعامل إلى شهادات عليا؟ أم أنّنا نحتاج إلى ثقافة الحوار والأخلاق!؟

  • مبادرات راقية: كم نحتاج من مواقف ومبادرات حتى نصل إلى مستوىً مقبول اجتماعياً وراقٍ فكرياً؟ وفقاً لصحيفة جان تايمز اليابانية الصادرة باللغة الإنكليزية، والتي كُتب فيها قرار وزارة التربية اليابانية في إحداث مادة التربية الأخلاقية منذ بداية عام ٢٠١٨ مؤكّدة أن تدريس هذه المادة يؤدي دوراً هامّاً في تحقيق حياة أفضل للتلاميذ، ويعمل على تأمين تنمية مُستدامة يُدرّب من خلالها الطلاب على مواجهة القيم المختلفة والتفكير بطريقة مستقلة، كما تُمكّنهم من امتلاك القدرة على التعاون والمشاركة. فهل تسعى وزارة التربية بخطوة فريدة من نوعها إلى تطبيق المثيل عندنا؟ وهل سننجح في تأكيد الدور الأخلاقي في التعامل بإنسانية بطريقة تناسب حضورنا الإنساني؟ أم أننا سنبقى مُتشبّثين بسلوكيات وأفكار أصبح من الضروري العمل على تقويمها؟
العدد 1105 - 01/5/2024