علاقاتنا الاجتماعية لا تحتاج إلى ختم جامعي!

وعد حسون نصر:

يظنُّ البعض أنّه بمُجرّد أن دخل الجامعة أو حصل على شهاداتها فإنه قد صار أفضل من غيره، فيبدأ بانتقاء سلوك مختلف نوعاً ما عمّن حوله معتقداً أنه الأفضل، كأن يشرب قهوته الغامقة المُعشّقة بالمرار مع لفافة تبغ وصوت فيروز وإن كان غير مقتنع تماماً بهذا السلوك، أو أن يلجأ لانتقاء كلمات في حواره مستشهداً بأقوال المشاهير من ممثلين أو فلاسفة، وقد يحاول اختيار لباس غريب لكي يلفت النظر وتُثار حوله التّساؤلات عن نوع الدراسة أو طبيعة العمل.

برأيي الشخصي كلما كنّا أقرب إلى الواقع وأكثر مرونة بالتعاطي مع الآخرين فإننا نكسب محبة من حولنا، نكسب ضحكة أكثر وتقبّلاً أكثر، العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع وخاصةً أن معظمنا خرج من رحم حارات شعبية لا تحتاج إلى بهرجة الكلام ولا فلسفة الأفعال وردودها، قد تجمعنا مائدة بسيطة، لكنّها تخلق فينا طاقة وفرحاً أكثر بكثير من سفرة خمس نجوم، أو قد نشرب الشاي والقهوة نصفها سكر، وربما نستمع لأغنية شعبية لا تحمل في موسيقاها صوت الكمنجة المُغيّب بقرع الطبل، لكنّنا نعجُّ بالفرح والطاقة أكثر.

لا تدعوا زيف الشهادة المُحاطة بإطار التصنّع يسرق منكم ضحكة عفوية صنعتها طرفة في حارة شعبية، حياتنا تتطلّب الاعتدال بكل شيء، فهي مزيج من الأضداد من حزن وفرح، من رقيّ وعفوية، من بساطة وتعقيد.. حاولوا أن تحافظوا على متعة اللحظة، وأعطوا كل زمان ومكان حقّه، فلا يمكن أن أجلس في حقل أقاربي بالقرية وأتناول الطعام بواسطة الشوكة والسكين، وأشرب الماء بكاسات من البلّور. كذلك العكس، لا يمكن أن أجلس في مقهى أو مطعم أو حتى حفل تخرّج أو فرح لأشخاص من مجتمع آخر وأقوم بتناول الأرز بواسطة الخبز!! دعوا علاقاتكم تُبنى حسب وجودكم، ولتكن البساطة والعفوية وشخصيتكم الحقيقية سرّها في الحفاظ على لباقتكم، فالحب لا يحتاج إلى شهادة، والضحكة لا تحتاج إلى شهادة، والودّ لا يحتاج إلى شهادة، جُلَّ ما نحتاجه في علاقاتنا كبشر هو الإنسانية والبساطة بعيداً عن التعالي، فأغلبنا ولد من رحم معاناة أسرة باعت كل ما لديها لترى منّا أطباء نعالج الفقراء، ممرضين نداوي جرح المجروحين، محامين ندافع عن المظلومين، مهندسين نساعد في إعمار حاراتنا الشعبية التي خرجنا منها، لا تنسوا الماضي ولا تعبروا من فوقه إلى علاقات تحتاجون إليها حين تتقدم بكم السنون، عندما تموت علاقات المصلحة، جميعنا يحتاج إلى بساطة الحياة.