أزمة أوكرانيا.. والأهداف الأمريكية العدوانية

د. صياح فرحان عزام:

تعد أزمة أوكرانيا التي ابتدعتها واشنطن ومازالت تستثمر فيها لترسيخ وتوسيع هيمنتها على العالم، من أهم الأزمات الدولية والسبب أنها تمثل أهمية لثلاث قوى كبرى هي روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي. فهي بالنسبة لروسيا تشكل امتداداً تاريخياً وحضارياً وجغرافياً واستراتيجياً لها.

أما بالنسبة للولايات المتحدة فهي وسيلة فعالة لتحجيم روسيا وتقييدها والحد من استعادة دورها كقطب دولي منافسي لأمريكا، وبالنسبة للاتحاد الأوربي فهو يهدف إلى أن تكون جزءاً منه ومستقرة وهادئة بسبب الجوار الجغرافي.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية حظيت أوكرانيا باهتمام بالغ من قبل واشنطن ولندن، والدليل على ذلك ما قاله رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل أنه (إذا أرادت الدول الغربية أن تقضي على الاتحاد السوفييتي فعليها أن تفصل أوكرانيا عن روسيا).

هذا القول يجسد على أرض الواقع الأهداف الغربية والأمريكية، خاصة ممارسات الغرب المتعلقة بتدخلاته في أوكرانيا، ويدحض المزاعم الأخرى كلها. وبعد نهاية الحرب الباردة، تزايدت أهمية أوكرانيا بالنسبة لواشنطن، باعتبارها من وجهة نظر الإدارات الأمريكية المتعاقبة (الخاصرة الرخوة) لروسيا وقلب الدفاع عنها، وهي من دول المحاور الاستراتيجية عند تقسيم أوراسيا، وفقاً لوصف مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق زبيغنيو بريجنسكي، كونها تعد أم المدن الروسية، ومركزاً للحضارة الأرثوذكسية الشرقية، كما أنها أكثر دول الاتحاد السوفييتي السابق ارتباطاً بروسيا الاتحادية من النواحي الحضارية والتاريخية والثقافية والعرقية والدينية العميقة، والأهم من كل ذلك أنها تشكل الامتداد الحيوي لروسيا باتجاه أوربا الشرقية، ولهذا كله فإن خسارة روسيا لأوكرانيا هي انتكاسة جيوبوليتيكية خطيرة للدولة الروسية الحديثة. وهذا ما أكده المفكر الروسي الشهير ألكسندر دوغين (زعيم حركة الأوراسيين الجدد) الذي اعتبر أن التحاق أوكرانيا بركاب الغرب وحلف الناتو، هو بمثابة حرب جيوبوليتيكية على روسيا، وبالتالي فهي المشكلة الأكبر جدية وأهمية بالنسبة لموسكو من وجهة نظره، كما اعتبر أن أوكرانيا الموالية للغرب والمعادية لروسيا، تؤدي دور الخادم الجيوبوليتيكي والعميل للاستراتيجية الأطلسية، أيضاً هي تلعب بوعي منها أو من دون وعي، دوراً هاماً في محاولات الغرب لتطويق روسيا ومنعها من تحقيق مشروعها الأوراسي.

إلى جانب ذلك تشكل أوكرانيا إحدى أهم وأخطر ثلاث بوابات رئيسية تنفتح روسيا عبرها على العالم، وهي وسط آسيا، القوقاز، وأوكرانيا.. وأوكرانيا كما ذكرنا قبل قليل أخطر وأهم من هذه البوابات، لماذا؟ لأنه عبر السهل الأوكراني مرّت الجيوش الأوربية الغازية لأراضي الاتحاد السوفييتي (روسيا حالياً) في حربين عالميتين، وبناء على هذا تركز واشنطن على حرمان روسيا من أهم الركائز الجيوسياسية، لاسيما بعد أن خطت روسيا بقيادة الرئيس بوتين خطوات نوعية كبرية في سياق استعادة مكانتها الدولية، ومواجهة الهيمنة الأمريكية، فأدخلت واشنطن كييف في دائرة ما أسمته (الثورات الملونة) ودعمت التيار اليميني المتطرف الذي يدعو إلى التحاق أوكرانيا بالغرب وانتسابها لحلف الناتو، هذا التيار الذي كان رأس حربة أمريكا في الانقلاب على نتائج الانتخابات التي أوصلت فيكتور بانوكوفيتش، ويؤكد عدة محللين سياسيين أن تعقيد الأزمة من قبل أمريكا وبريطانيا يعود لعدة أسباب أهمها:

1- ما تواجهه إدارة بايدن من إخفاقات في عامها الأول، فمن المرجح أن يفقد الحزب الديمقراطي الأغلبية في الانتخابات النصفية للكونغرس في تشرين الثاني 2022، ثم الانقسام الحاد في المجتمع الأمريكي، ولهذا فاستحضار العدو الخارجي من بوابة أوكرانيا قد يعيد اللحمة للداخل الأمريكي.

2- تعكير العلاقات الروسية – الأوربية، وخاصة العلاقات بين روسيا وألمانيا وفرنسا.

3- محاولة إنعاش حلف الناتو، ووأد محاولات تشكيل جيش أوربي مستقل.

4- احتواء رقعة الشطرنج الأوراسية وعزل روسيا ومحاصرتها جغرافياً.

باختصار.. روسيا تدرك كل هذا ولا يمكن أن تتخلى عن مطاليبها العادلة.

 

العدد 1107 - 22/5/2024