هل أصبح التشرد مهنة في بلدي؟ أم أن الظروف دفعتهم إلى ذلك؟

ريم داوود:

عندما تنكرت كمشرد في مدينة نيويورك لم ينتبه أحد إلى وجودي، شعرت حينئذٍ ماذا يعني أن تكون مشرداً. كان الناس يمرون وينظرون إليّ باحتقار، فقط سيدة واحدة كانت لطيفة قدمت لي بعض الطعام، هي تجربة لن أنساها أبداً. هكذا عبّر الممثل الأمريكي ريتشارد غير عن تجربة التشرد التي عاشها لمدة ٤٠ دقيقة في أحد أفلامه ضمن شوارع أمريكا.

منذ ٢٠١١ أي منذ اندلاع النزاعات داخل مجتمعنا لم يعد التشرد مجرد ظاهرة نجدها هنا وهناك، بل أصبح مشكلة وآفة اجتماعية تجتاح شوارع المدن وكأنها أصبحت مهنة أو عملاً تجارياً مكسباً لدرجة لم نعد كمواطنين قادرين على التمييز بين متشرد حقيقي وآخر ممتهن لها. في كلتا الحالتين سواء أكانت تلك المشكلة ناتجة عن تشرد حقيقي للأفراد أو ناتجة عن لجوئهم لها كمهنة مكسبة مربحة، فهي بالنهاية آفة اجتماعية لابد من الانتباه لها والعمل على الحيلولة دون انتشارها.

أما المحزن في الأمر فهو أن ما نتحدث عنه من تشرد للأفراد لا يميز بين صغير وكبير، بين طفل وكهل، بين سيدة ورجل.

أسباب التشرد: تكثر أسباب التشرد وتتنوع نتيجة لظروف ومقومات عديدة مختلفة ومتباينة يصعب حصرها ووضعها ضمن قالب واحد، لكن هناك مجموعة من الأسباب لا يمكن غض النظر عنها كالفقر، تراجع الرعاية الصحية، الحروب، الكوارث، الفقر، ويشكل الفقر سبباً أساسياً للتشرد. ومما لا شك فيه أننا منذ اندلاع الصراعات بدأنا نلحظ ازدياداً كبيراً في نسبة الفقر بين الأفراد لم نعتد عليها سابقاً.

صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية الذي أصبح في الآونة الأخيرة من الأمور الثقيلة الأحمال على الأفراد، فكلنا يعلم ضخامة كلفة الرعاية الصحية وغلاء الأدوية، وأجور الصور والتحاليل. الحروب أو الصراعات المسلحة التي كانت السبب الرئيس فيما وصلت إليه أحوال المواطنين اليوم.  الكوارث الطبيعية التي شهدناها في كثير من دول العالم وشهدنا آثارها على أفراد ومواطني تلك الدول. والأمثلة تكثر كثيراً عن أسباب اجتماعية كانفصال الزوجين وما ينتج عنه من ترك للأطفال، الأمراض العقلية والإعاقات الجسدية في حال لم تلقَ الرعاية اللازمة، المساجين اللذين يخرجون دون رعاية أو مكان يأويهم، فضلاً عن العنف الذي يتعرض له الأطفال داخل منازلهم والذي يدفع بهم إلى الشارع.

أما السؤال الأهم فهو: ماهي الإجراءات التي علينا أن نتبعها حكومة وشعباً للحد من هذه الظاهرة التي باتت آثارها تثقل كاهل الجميع؟ مما لا يخفى على أحد هو الآثار السلبية الناتجة عن التشرد والتي تتجلى في ارتفاع حالات الاغتصاب والسرقة، فضلاً عن التسول الذي اجتاح شوارع البلاد، فقد باتت هذه الآثار تؤثر وبشدة على المجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر لذا لابد من العمل بشكل واع وجاد لإيجاد حلول ناجعة تعمل على التخفيف والتقليل من حالات التشرد، وهي تكمن في العمل على زيادة مراكز التأهيل والرعاية التي تهتم بالمهمشين والمتروكين، أيضا لابد من العمل على صعيد الأفراد والحكومة للحد من الفقر الذي استشرى بشكل كبير ووضع خطط تسعى هادفة لدعم الأفراد وتقديم العون لهم، فكل فرد بالنهاية هو مواطن في هذا الوطن ومن حق هذا المواطن أن يحيا حراً مكرماً مساهماً وفاعلاً في مجتمعه.

العدد 1105 - 01/5/2024