ناس وأحلام وفانوس!

رمضان إبراهيم:

لم يكن يخطر في بال صاحبنا سعيد الحزنان أن يلتقي بالسيد علاء الدين صاحب الفانوس السحري المشهور، إذ نام في تلك الليلة بعد أن صام طيلة النهار عن تناول أي وجبة من الطعام حتى ولو كانت لقمة واحدة! صديقه أبو حنين لم يفتح له الباب، وجارته الأرملة أم حماد الذي حدثتكم عنه في مرات سابقة كانت في زيارة لمنزل ولدها، بعد أن أولم لها بمناسبة رأس السنة، في حين ادّعت جارته فطّوم أنها مريضة ولا تستطيع أن ترفع رأسها عن مخدتها.

حاول سعيد جاهداً أن يُسكت عصافير بطنه التي زادت زقزقتها، وأقسم إنه في الليلة التالية سيترك القرية التي لم يعد البقاء فيها مجدياً، وسيضرب في شعاب الأرض بجهاتها الأربع، بعد أن قرر أن يتحول صديقاً للحيوانات العاشبة التي لا تفكّر في مؤسسة حكومية أو جمعية مدنية أو منظمة دولية أو حماية مستهلك أو رفق بالحيوان، ولا يوجد ما يُلزمها بمقرّرات تلك المؤسسات حتى ولو كان على رأس تلك الهيئات الدولية هيئة الأمم المتحدة.

دسّ جسده النحيل تحت الغطاء الرّث، وبدأ يفرك قدميه علّ الدم يسري في العروق ويولّد شيئاً من الدفء. وعلى وقع تخيلاته وأحلامه بالعام الجديد استسلم لنومٍ عميق.

يبدو أن ما قرّره في يقظته داهمه وهو مستسلمٌ للنوم، فبدأ ينتقل من مرج أخضر إلى مرج آخر، وتنوعت الأعشاب وطالت واختفى بين الأزهار الملونة، وفجأة وهو يتقدم متبختراً اصطدمت قدمه بشيء صلب. ظنً للوهلة الأولى أن ما اصطدم به هو حجرة كبيرة.

انحنى قليلاً فوجد شيئاً ما يشبه الفانوس، وعلى الفور تمنى لو يكون هذا الشيء هو فانوس علاء الدين السحري الذي سمع عنه كثيراً.

لم يشأ متابعة طريقه، بل حمل الفانوس وعاد إلى القرية وجمع حوله العديد من أبناء القرية صغاراً وكباراً، وحكى لهم قصته مع الفانوس.

قال أحد الأولاد: إنه فانوس علاء الدين السحري كما رأيناه في برامج الأطفال.. دعه يجلب لنا مزيداً من الألعاب والهدايا لأننا في هذا العام لم نتمكن من الذهاب إلى محلات بيع الألعاب كي نشتري ألعابنا ونحتفل بالأعياد، ولم نذهب إلى ساحات المراجيح ولم يتمكن بابا نويل من زيارتنا.

وقال آخر: دعه يجلب لنا كتباً ودفاتر وأقلاماً، ويفتتح لنا مدارسنا التي دمرها الجهلة.

قالت امرأة وقد اتشحت بالسواد: قل له أن يعيد لي ولدي الذي خطفوه منذ أشهر ولم أعد أسمع عنه أي خبر. دعه يخبرني بمكانه وأنا سأذهب حافية القدمين من أجل رؤيته حتى ولو كلفني ذلك عمري.. وقالت أخرى: أرجوك اسأله عمّن قتل زوجي ويتّم أطفالي.

وقال شيخ كبير: دعه يحضر لي من قتل حفيدي وهو عائد من المدرسة. إنه حفيدي الوحيد.. كان متفوقاً في دراسته. لقد اخترع أشياء عجيبة ونال العديد من الجوائز والمكافآت.. وهي لا تزال معلقة على جدار غرفته بجانب شهادات التقدير وبراءات الاختراع.

وقالت صبية في عقدها الثاني: لقد ذبحوا خطيبي.. أتمنى أن يحضرهم لي الفانوس كي أسألهم إن حققوا الحرية المزعومة بقتله! وهل قرؤوا التاريخ جيداً كي يعلموا أن الدم والقتل لا يجر إلّا الآلام والأحزان فقط!

اخترق الجموع رجل يرتدي لباساً رسمياً، وقف وحيداً وقال: أريد من هذا الفانوس أن يحضر لي عربان الدم والقتل كي أسحبهم من عباءاتهم وأرمي بهم وبفضائياتهم العفنة على مزابل التاريخ، لأنهم لم يقدموا لنا عبر العصور سوى العار والتآمر والخيانة.

سمعوا صوتاً من مكان بعيد يقول: أنا التاريخ، سأروي للأجيال القادمة كيف أنّ بلداً قاوم تآمر العالم عليه على مدى أعوام عديدة، ولم تستطع الأحداث الدامية أن تفرّق بين أبنائه، بل على العكس كانت روابط الألفة والمواطنة تشتد وتعظم بينهم كلما اشتدت المحن والمصائب.

كانت العصافير في معدة صاحبنا سعيد الحزنان قد عاودت زقزقتها، وبدأ يشعر بالجوع يضغط على أمعائه، ففرك الفانوس طويلاً ثم قال له: أريد منك رغيفاً وأسطوانة غاز ولتراً من المازوت وعلبة متة وقليلاً من السكر والأرز والبطاطا والخيار والبندورة والتفاح وبعض المسكّنات والمهدئات. أريد الأمن والأمان. أريد القضاء على العصابات المجرمة، أريد عودة أهلي وجيراني.. أريد تطبيق القانون على الجميع!

سمع الجميع صوت زمجرة قوية وارتفع الدخان في المكان وما هي إلاّ دقائق قليلة حتى وقع انفجار في المكان، فتناثرت الأشلاء في كل اتجاه وصبغت الأرض بلون الدم الأحمر، واستيقظ صاحبنا سعيد الحزنان، فوجد نفسه وحيداً في غرفته، فعلِم أن ما رآه لا يعدو كونه حلماً، فبكى كثيراً وتذكر السنوات السابقة وطعم الخبز والمتة والتفاح ورائحة الدفء وطعم الأمن والأمان، وتذكّر الساحات التي كانت عامرة بفرح الأطفال والشوارع التي كانت تغص بالعابرين!

 

العدد 1107 - 22/5/2024