الانتظار هو الخيار

الدكتور سنان علي ديب:

من المؤكد أن صعوبة حياتنا وقساوتها المختلطة بين الألم والحاجة والفاقة، بين التوفر وإن ندر والفقدان، التي نجمت عن تركيبة عجيبة من منعكسات الحرب القذرة المتنوعة، والتي بلغت ذروة قساوتها وصعوبتها بالإرهاب الاقتصادي الأبعد ما يكون عن الشرعية والقانون والإنسانية قد أرست سوداويتها على أغلب المواطنين الذين أعطوا دروساً بالصبر والتكيف وعدم الولوج باليأس والقنوط والانهزام، وكانوا سنداً وعونًا للجيش الذي هزم أقوى وأعقد إرهاب عرفته البشرية. ولكن طول الحرب وتبديل الخطط وتزاوجها مع ثغرات وخيارات قاسية قد أوصلت كثيرين إلى قمم من اليأس. وكيف لا وما يعانونه من ظروف حياتهم لم يكن في أقسى المواجهات ولم نكن قد أحطنا بها وجزناها وهزمناها ولم تكن الواقعية قد نشرت سيولها في شرايين شعب صقلته الحياة والحضارة والتجربة وغذته الإنجازات، ولكن ما يمر علينا من انعكاسات نتيجة رؤى يراها الشعب قاسية وظالمة ويراهن متخذوها على صوابيتها، وأن لواحقها ستجلب العدالة والمساواة، وأن اللجوء لها خيار لكثرة الحاجات وقلة أو ندرة الموارد، وبالتالي تهذيب الاستهلاك وجدولته مسار صحيح وإن كان سيؤدي لمعاناة بكامل أبعادها النفسية والاجتماعية والجسدية، وهو ما نجده من تقنين كهرباء هائل فتصل ساعات الوصل في بعض المحافظات يومياً إلى ما بين ثلاث أو أربع ساعات فقط، وكذلك رهاب وخوف من تطبيق ما سمي إيصال الدعم لمستحقيه، فتتحول المقننات عبر البطاقة الذكية إلى رعب ووجل وامتعاض بعدما سربت نوايا سحب الدعم من غير مستحقيه وفق شرائح، ومنها من يملك سيارة التي كان هناك تسهيلات تسويقية للموظفين قبل الحرب، وهذا السلوك الذي كان محط نقدنا وانتقادنا، ومن يملك منزل بالريف إضافة إلى منزله والمحامي والطبيب والمهندس والتاجر وغيرهم، الأمر الذي أحبط وحطم، وجعل هذا الموضوع مثار نقد ورفض من أغلب المواطنين، ومنهم مسؤولون وممن خدموا الوطن، ويستمر الحوار والاختلاف عبر وسائل التواصل ويستمر هبوط المعنويات وضعف المناعة النفسية، وتتكون طوابير جديدة أمام أقسام الهجرة والجوازات التي كانت طوابير مستهجنة ومنبوذة في فترات، ولكنها أضحت مثار غيرة وحسد وطوق نجاة للأغلبية بالسر والعلن، ويستمر المسلسل المتجدد ما بين بث إشاعات تصبح واقعاً وامتعاضات متألمة مؤلمة وسط استمرار الفجوة بين المواطن وأغلب المسؤولين الذين لا يستطيعون الصمت ولو كانت تصريحاتهم مزلزلة ومهبطة للأمل، ويكون البدء بالتسجيل على المقننات التي لا تسد رمقاً نصراً وإنجازاً يملأ وسائل التواصل ويتناقله (البواقون) ومع كل إعلان معاناة، فلكل مادة طقسها الإلكتروني وعذاب التسجيل وحتى الإنترنيت يصيح: قنّنوني! وينتقل المواطن المغلوب على أمره من مرارة إلى أخرى ومن معاناة إلى أخرى، ويكون الامتعاض هو العنوان لمن يستحق الدعم وللأغلبية التي لم يشملها بتوسيع شرائح الطبقة الجديدة، ويتزامن هذا مع ضرائب جديدة صرح عنها باحتساب المحامين والمهندسين والأطباء شريحة تجار، ليكون فرض الضرائب على أساسها وتزيد البلبلة وسط إشاعات عن إغلاق مكاتب هندسية في بعض المحافظات خوفاص من إجراءات كهذه، وسط هذه الضبابية ما زال كثر يتسلحون بالأمل ليعم ما يناسب البلد من عمل مخطط مدروس محسوب النتائج، ويهزم هذه الأساليب من التصريحات والأعمال التجريبية التي تجاوزت القرارات التجريبية والتي تتخذ ويكون هناك استعداد لتصويبها وإصلاح منعكساتها السلبية. أما بث الإشاعات من قبل مؤسسات حكومية فلم ينجم عنها سوى حوار الطرشان وزيادة المآسي، في ظل أجواء باتت فيه الإجراءات الاقتصادية من حصار وعقوبات ودمار وإرهاب أسهل وأكثر استخداماً.

وسط دوام ضجيج رهيب وغير محسوب النتائج، فأي عاقل يستوعب التصريح بأن هذه الإجراءات لو طبقت عام ٢٠٠٧ لما وصلنا إلى ما نحن فيه، متناسين المؤشرات والتعافي والرفاهية وعدم الحاجة لها في ذلك الزمن إلا إن كانت غصباً وفرضاً من المؤسسات الدولية، ومتناسين التآمر والحرب الإرهابية المؤجلة من الغزو الظالم للعراق الشقيق.

ما يهمنا هو أن الكل يرى ويسمع ويقرأ النتائج لما يُفرض، ورغم قساوة المعاناة لم يزل الأمل موجوداً بانتظار برنامج متكامل ينطلق من الواقع ويصوب الخطوات ويردم الفجوات.. فما دام هناك ثغرات سيبقى ويزداد الأمل.

 

العدد 1104 - 24/4/2024