رحيل عملاق الموسيقا اليونانية ميكيس ثيودوراكيس.. (عضو الحزب الشيوعي اليوناني، وموزّع النشيد الوطني الفلسطيني).

نعى الحزب الشيوعي اليوناني صباح يوم 2/9/2021 الموسيقار الكبير ميكيس ثيودوراكيس، وعضو الحزب الشيوعي منذ السابعة عشرة من عمره.

وجاء في بيان الحزب:

(بعاطفة عميقة وتصفيق حار نقول وداعاً لميكيس ثيودوراكيس، المبدع والمقاتل والقائد والرائد في الفن الكفاحي الحديث في الموسيقى).

وأضاف البيان:

لقد تخمرت موسيقاه بكل ما يصنع الفن العظيم، الفن الذي يجسد نبض عصره ويتنبأ بالمستقبل. إن الاحساس والعقل والذاكرة وخبرة المقاتلين هي مصدر إلهامه.

قال: (أخذنا ما صنعناه من الناس وأعدناه للناس)، ولم يكن هذا حياءً. كان ثيودوراكيس يدرك تماماً أن مجتمعه لعب دورا مهماً في إنجازه الفني الشخصي. لقد كان مدركاً تماماً أن أسلوبه الخاص وديناميكية فنه إنما مصدرهما تصرفات الناس، وأن مشاركته في العمل الشعبي كانت هي أكسجينه.  وقال (الفنان الذي يعيش ويحيا في النضال، يحقق لعمله مكانة خاصة).

يُعتبر عمله دليلاً رائعاً على أن الفن العظيم دائماً ما يكون سياسياً، سواء سعى إليه مبتكره أم لا.

في نهر عمله، تتعايش جميع أنواع الموسيقا تقريباً: موسيقا الشوارع.. الأغاني الشعبية، يضاف إليها المأساة القديمة، الجزء البيزنطي، الأغاني الكلاسيكية، الموسيقا السمفونية، الخطابات.

كان متعدد المواهب، مثقفاً كما كان لديه عمل أدبي ثري.  في حالة ميكيس ثيودوراكيس، تلتقي العبقرية الفنية بشخصية يقظة ومبدعة، تشعر دائماً بالحاجة إلى التفوق على نفسها.  لقد تجاوزت موسيقاه حدود البلاد، وقد جسدت الآلام والآمال والرؤى العالمية المشتركة بين جميع الشعوب وكل مسحوقي الأرض.

حاز على جائزة لينين للسلام التي جاءت تعبيراً عن الاعتراف العالمي بمساهماته الفنية والاجتماعية، وغداً سنغني نحن شعوب اليونان وتركيا وقبرص والبلقان والشرق الأوسط، أغانيه وموسيقاه في كل مكان على وجه الأرض من أجل السلام.

كان ميكيس يحب السير وتنشق الهواء (في الشوارع الكبيرة بين الملصقات). حيث سيستمر الناس بسماع موسيقاه الملهمة والمحرضة، والمعلمة.

مع موسيقا ميكيس، سنواصل السير حتى (نقرع أجراس) التحرر الاجتماعي. وعندما (تنتهي الحروب) لن ننساه.. سيكون معنا حتى عندما (تحمر الأحلام).

 

لمحات من نضاله وأعماله

ذاعت شهرة ميكيس الموسيقية في عام 1964 بعدما وضع الموسيقا التصويرية لفيلم زوربا اليوناني، أشهر لحن موسيقي يوناني في العالم. نضاله السّياسي سبق شهرته الفنيّة، فجمع بين النّضال في ساحات القتال والتّحرير، والمقاومة الثقافيّة والفنيّة، فكان رائد التّجديد الثقافي في بلاده.

انضم في مراهقته، إلى صفوف المقاومين لتحرير بلاده من الاحتلال الألماني-الإيطالي، وحارب في صفوف المتمردين في الحرب الأهلية (1946/1949)، وتعرّض للاعتقال والتّعذيب، لكنّ إصابته بالسّل أدّت إلى إطلاق سراحه.

تجربته في المعتقل جعلته يختبر صلابة الشيوعيين واستعدادهم للمعاناة دفاعاً عن إيديولوجيتهم، وكانوا بمعظمهم من العمال الكادحين. فاحتضن الماركسية بقلبه وروحه ووصف تحوّله من الالتزام الديني إلى الماركسيّة بقوله: (رأيت الله في وجه عامل).

بدأ التأليف الموسيقي في بداية الخمسينيات، وساهم في إحياء الأغنية الشعبية اليونانية، فاختار لأغنياته قصائد الشاعر يانيس ريتسوس، زميله في النّضال والمعتقل.

واكبت موسيقاه الحركات العالمية التحرّرية وكان مناصراً لقضايا شعبه وشعوب العالم المحقّة لا سيّما القضيّة الفلسطينية.

سُجن أيام ديكتاتورية العقداء* في عام 1967، لكن شهرته العالمية أنقذت حياته، وأدت حملة ضغط دولي، إلى إطلاق سراحه في عام 1970.

سقوط الحكم العسكري في عام 1974 كرّس موسيقاه عنواناً للحرية والمقاومة في بلاده وفي العالم. وقد أذيعت أغنيته (ستة أقمار بحرية) يوم الانقلاب بعدما كانت موسيقاه محظورة.

قبل الديكتاتورية وبعدها، كان ثيودوراكيس أيضاً عضواً في البرلمان اليوناني، وانتخب ممثّلاً للحزب الشيوعي اليوناني.

وُصف بكونه الصوت الأكثر وعياً وعمقاً وحضوراً لليونان المعاصرة، حيث تجسّد وطنه المتأرجح بشكل درامي في مهب العواصف السّياسية والاقتصادية في نتاجه الفني وفي شخصه.

انتشرت موسيقاه في العالم الغربي وفي البلدان الاشتراكية، لأنّ الإنسان في فنّه كان المحور والهدف.

وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه (ماركسي متحمّس، حارب بالموسيقا والكلمات ضد ديكتاتورية الكولونيالات. وهو الذي نفي ومُنعت أعماله نصف قرن).

العدد 1104 - 24/4/2024