مئة عام على تأسيس أول حزب شيوعي بمصر (1921 – 2021)

يعتز الحزب الشيوعي المصري بمرور مئة عام على تأسيس أول حزب شيوعي في القارة الإفريقية والساحة العربية، فقد تأسس أول حزب يتبنى الماركسية اللينينية باسم (الحزب الاشتراكي المصري) يوم 28 آب (أغسطس) عام 1921. وكان حزباً علنياً عقد مؤتمره الأول في 30 تموز (يوليو) 1922 وتقدم بطلب للانضمام للأممية الثالثة (الكومنتيرن)، ثم نجح الحزب في عقد مؤتمر الثاني يومي 6 و7 كانون الثاني (يناير) 1923، الذي قرر تسميه الحزب: (الحزب الشيوعي المصري) وأقر البرنامج العام للحزب وانتخب اللجنة المركزية.

ويمتد النضال الاشتراكي عميقاً متجذراً في التربة السياسية والاجتماعية لمصر عبر عقود طويلة محركاً وفاعلاً بين صفوف الكادحين من العمال والفلاحين والطلاب والمثقفين، مدافعاً بثبات عن حرية الوطن ضد الاحتلال والتبعية، وحرية المواطن ضد الاستبداد والقهر والاستغلال.

وهكذا يمكننا القول إن ولادة الدعوة الاشتراكية المصرية وطرح شعاراتها بقوة ملهمة إنما هو نتاج لذلك التفاعل الحي والخلاق بين نضالات وكتابات مفكرين ومناضلين أسهموا جميعاً في صياغة الفكر والوجدان المصري الحديث منذ منتصف القرن الـ 19 وحتى الآن؛ فلقد امتزجت الاشتراكية على الدوام بالعمل الوطني والوعي التقدمي والفكر العقلاني، وعبّرت طوال مسيرتها النضالية عن روح شعب مصر وتطلعاته.

ولقد كان للشيوعيين المصريين على الدوام إسهام أصيل في معارك الوطن وثوراته، بدءاً من ثورة 1919 وعبر الفترة الممتدة حتى عام 1946، فقد نجح الشيوعيون في تأسيس (اللجنة الوطنية للطلبة والعمال) التي قادت النضال الوطني والمقاومة الشعبية ضد الاحتلال انتهاءً بجلاء الإنجليز وانحسارهم في منطقة القناة، كما ساهم الضباط الشيوعيون من خلال حركة الضباط الأحرار في إنجاز ثورة يوليو 1952 ونجاحها، ولعب الشيوعيون دوراً حيوياً في قيادة المقاومة الشعبية في بورسعيد عام 1956 في مواجهة العدوان الثلاثي، وكان للشيوعيين المصريين مواقفهم المشهودة والمتواصلة في مواجهة العدو الصهيوني، ودعم نضال الشعب الفلسطيني، ومواجهة الإمبريالية الأمريكية، ومقاومة التبعية.

وعلى الصعيد الاجتماعي خاض الشيوعيون طوال مئة عام معارك الطبقة العاملة المصرية والفلاحين والطلاب والمثقفين، مدافعين عن مصالح كل الكادحين والفقراء من أبناء الشعب المصري، مسطرين بتضحياتهم تراثاً غنياً من النضال الطبقي والوطني الشجاع، قدموا فيه عشرات الشهداء ومئات الأبطال الذين تحملوا سنوات طويلة في السجون والمعتقلات، دفاعاً عن معتقداتهم وأفكارهم النبيلة وعن الشعب المصري العظيم.

وعلى الصعيد الفكري والثقافي والإعلامي لعب الحزب الشيوعي دوراً بالغ الأهمية في إثراء الثقافة الوطنية المصرية ومقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، وأسهم الشيوعيون على نحو مشهود في تشكيل الوعي والوجدان المصريين، وتركوا بصمات واضحة على كل مناحي الإبداع الثقافي والفكري والأدبي والفني، وفي تكوين المشهد الثقافي المصري في كل ميادين الأدب والفن والمعرفة.

وفي أول أيار (مايو) 1975 تم الإعلان عن إعادة تأسيس (الحزب الشيوعي المصري) تأكيداً على أهمية الوجود المستقل لحزب الطبقة العاملة، وضرورته لإنجاز أهداف مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية وصولاً إلى تحقيق الاشتراكية، وليصحح بشكل عملي الخطأ التاريخي بحل التنظيمات الشيوعية عام 1964، وليمثل امتداداً نضالياً لتاريخ نضال الحركة الشيوعية المصرية مستلهماً إيجابياتها وناقداً لسلبياتها وحافظاً لتراثها ومخلصاً لكل تضحياتها وأرواح شهدائها.

ولقد ساهم حزبنا إلى جانب الأحزاب والقوى الوطنية والتجمعات الشبابية والشعبية من خلال المعارك المتواصلة والاحتجاجات الشعبية المتصاعدة ضد نظام الردة والتبعية والفساد الذي جثم على صدر مصر منذ منتصف السبعينات واستمر لأكثر من أربعين عاماً طوال عهدي السادات ومبارك، مما مهد الأرض لتفجير ثورة الشعب المصري بموجتيها: 25 كانون الثاني (يناير) 2011 و30 حزيران (يونيو) 2013 والتي لم تحقق حتى الآن كامل أهدافها في تحقيق ديمقراطية المشاركة الشعبية الحقيقية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة المصرية المدنية الحديثة وإنهاء التبعية.

ولقد كان من نتائج هذه الثورة إعلان حزبنا استئناف نشاطه العلني من ميدان التحرير في أول أيار (مايو) 2011 متواكباً مع العيد السادس والثلاثين لإعادة تأسيس الحزب والعيد العالمي للعمال. وهكذا يتضح مدى عمق وأصالة التراث الفكري والتقاليد النضالية التي ينطلق منها ويواصل مسيرتها الحزب الشيوعي المصري، مما جعل تاريخ الحزب ونضاله جزءاً لا يتجزأ من تاريخ النضال السياسي للشعب المصري وسعيه ليكون حزباً لكل المصريين المتطلعين إلى مصر حرة وديمقراطية واشتراكية.

العدد 1104 - 24/4/2024