حول الاعتذارات الغربية عن جرائم الاحتلال والإبادة

د. صياح فرحان عزام:

في الآونة الأخيرة، اعتذرت ألمانيا لـ(ناميبيا) عن الحقبة الاستعمارية التي أدت إلى إبادة قبائل في مطلع القرن العشرين، ووعدت بتقديم مساعدات تنموية لتكون بمثابة تعويض متأخر عن تلك الجرائم، كما اعتذر الرئيس الفرنسي من راوندا، لعدم قيام الجيش الفرنسي بواجب منع المجازر التي أودت بحياة أكثر من مليون إنسان عام 1994.

وسبق أن اعتذر رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق بيرلسكوني لليبيا عن الكوارث والجرائم التي سببها الاستعمار الإيطالي، واعتذر ملك بلجيكا عن قسوة الماضي الاستعماري لبلاده.

بداية، هذه الاعتذارات لا تدمل جراحاً ولا تعوّض نفوساً بريئة، لكنها تبقى بشكلها الرمزي اعترافاً بخطيئة ارتكبت بحق شعوب آمنة.

والسؤال الذي يطرح نفسه: كم نحتاج نحن العرب من الاعتذارات من دول استعمارية غربية مارست ضدنا وماتزال أبشع أشكال الظلم والاستغلال والنهب، وارتكبت بحق شعوب الأمة العربية فظائع لاتزال تداعياتها قائمة حتى الآن؟

العرب أول من يحتاجون إلى اعتذار عن مؤامرة سايكس – بيكو الشنيعة التي قسّمت أرضنا بين فرنسا وبريطانيا، بعد وعود كاذبة بمنح الحرية والاستقلال، ويحتاجون إلى الاعتذار عن وعد بلفور الذي أوجد هذا الكيان الصهيوني العنصري الاستيطاني في قلب الوطن العربي، وطرد شعباً عربياً من أرضه، أرض فلسطين ومازال يُنكل بهذا الشعب، إضافة إلى حروبه العدوانية ضد العرب والمدعومة من قبل هذا الغرب الاستعماري ولاسيما منه الولايات المتحدة.

والعرب يحتاجون إلى اعتذار من الولايات المتحدة وبريطانيا عن غزوهما للعراق واحتلاله وتدميره تحت أعذار كاذبة، منها اقتناؤه لأسلحة التدمير الشامل، وشمل التدمير مختلف جوانب الحياة في العراق، وقضى على الروابط الأخوية التي كانت تشد مختلف فئات الشعب العراقي إلى بعضها، إلى جانب إزهاق أرواح مئات الآلاف من الأبرياء، جلهم من الأطفال والشيوخ والنساء، علاوة على زرع الإرهاب والفتن الطائفية والمذهبية وتمدد هذا الإرهاب إلى دول عربية أخرى بدعم من هذه الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

من يعتذر وكيف عن جرائم الولايات المتحدة الأمريكية، التي ارتكبتها بحق الدولة السورية الشرعية وشعبها على مدى أكثر من عشر سنوات، بدعمها لداعش وأخواتها من المنظمات الإرهابية المسلحة التي دمرت الحجر والشجر وقتلت الأبرياء من البشر، تحت ستار الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، إضافة إلى غاراتها الوحشية على منشآت مدنية وقواعد للجيش العربي السوري، علاوة على سرقة النفط والقمح والآثار وغير ذلك حتى الآن وفي وضح النهار؟

كذلك ارتكبت تركيا جرائم بشعة بحق السوريين بدءاً من دعمها للإرهاب وسرقة معامل حلب، واحتلالها لأجزاء كبيرة من الشمال السوري والسعي لتتريكه.

وفي ليبيا ولبنان واليمن مارست الولايات المتحدة مع حلفائها الغربيين سياسات القمع والقتل والتهجير والنهب والقرصنة بكل أشكالها، في محاولة مكشوفة لتحويل هذه الدول إلى كانتونات عرقية وطائفية هزيلة ودول فاشلة، تسير في ركاب سياسة واشنطن.

لا شك في أن الأفعى لا يمكن أن تغيّر جلدها، وبالتالي لا يؤمن جانبها، فهذه الاعتذارات عن المجازر ما هي إلا وسائل جديدة من الدول الاستعمارية لخداع الدول والشعوب، ومحاولات للعودة إلى استعمارها من جديد، ولكن بشكل يختلف عن الاستعمار القديم المتمثل بالاحتلال المباشر لأراضي الغير ومصادرة الإرادة الوطنية والشعبية.

قبل أن تلجأ هذه الدول الاستعمارية إلى الاعتذار عن جرائم مسؤوليها وجيوشها، عليها أن تكف عن التدخلات في الشؤون الداخلية للدول والشعوب، خاصة الصغيرة منها والفقيرة، وعليها ثانياً إن كانت صادقة في الاعتذار أن تمد هذه الدول والشعوب بمساعدات مالية وخبرات تساعد على التنمية الفعلية وتخفيف المعاناة والقضاء على الفقر والجهل والمرض، وألا تكون هذه الإمدادات والمساعدات مشروطة بحيث تنال من السيادة الوطنية ومن الاستقلال الفعلي.

 

العدد 1104 - 24/4/2024