تمهيداً لحوار السوريين إطلاق سراح الموقوفين.. وتغليب مصلحة الوطن والشعب

النور: 01/ 11/ 2011

ارتفع منسوب التفاؤل عند السوريين، فالتصريحات والأجواء التي خلفتها زيارة وفد الجامعة العربية المكلف بمساعدة سورية على تجاوز أزمتها،توحي بدور عربي أكثر تفهماً لطبيعة الأزمة السورية، ونية جدية لدى القيادة السورية باعتماد الحوار التعددي الواسع حلاً وحيداً لعودة الاستقرار إلى البلاد،وبانتظار استكمال اللقاءات مع الوفد العربي للتوافق على الخطوات التنفيذية لعقد مؤتمر الحوار،تُبرز تصريحات رسمية روسية وصينية،استعداد البلدين الصديقين تقديم المساعدة في جمع شمل السوريين تمهيداً لإنهاء الأزمة.

لقد تسببت هذه الأزمة المركّبة المتمثلة داخلياً بالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخارجياً بإملاء الشروط والتدخل السافر والعقوبات الاقتصادية والتهديد بتدخل عسكري، تسببت بحالة من عدم الاستقرار، والخوف من شبح النزاع الأهلي المسلح بين أطياف الشعب السوري،التي تعايشت في الماضي في مناخ متآلف منسجم، كما تسببت بحالة انكماش اقتصادي تتفاقم مفاعيلها مع تحول الاحتجاجات السلمية إلى أعمال عسكرية، وتأخر الحلول الهادفة إلى عودة الاستقرار. وتتلاحق العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوربية على القطاعات الحكومية والخاصة، في محاولة لتدخل الخارج في مسار الأزمة، وفرض الحلول، رغم التوازنات الدولية التي نشأت والتي تجعل من أي تدخل عسكري ضد سورية إجراءً يتسم بالحماقة.

إن المعالجة السياسية للأزمة السورية،وفي طليعتها الحوار الوطني التعددي، الذي يجب أن تساهم فيه جميع مكونات الشعب السوري السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، تعد مدخلاً وحيداً.. آمناً لتدارك عوامل الأزمة الداخلية، ومتراساً وطنياً يقف خلفه شعبنا لمقاومة التدخل الخارجي المتعدد الأشكال في شؤون بلادنا، وهو في الوقت ذاته يفتح الآفاق لغد مشرق لسورية، إذا ما طبقت القوانين الإصلاحية تطبيقاً خلاقاً، بعد وضع الدستور السوري الجديد، الذي نرى أن ينص صراحة على التعددية السياسية والاقتصادية، ويضع القواعد الدستورية لحياة سياسية ديمقراطية.

ونقول هنا بصراحة إن مؤتمر الحوار الوطني الذي يُجمِع السوريون وأصدقاؤهم على دوره المحوري في معالجة الأزمة السورية، وكذلك تطبيق القوانين الإصلاحية التي صدرت، وخاصة قانون الأحزاب والانتخابات والإعلام وإنهاء حالة الطوارئ وإلغاء المحاكم الاستثنائية التي تعد حسب اعتقادنا نقلة نوعية في حياة بلادنا، يحتاجان إلى مناخ هادئ، ووضع مستقر، ومزاج جماهيري يتفاعل مع هذه القوانين، ويعمل على تنفيذها. ونحن نرى أن خلق هذا المناخ يتطلب أمرين اثنين

الأول إطلاق سراح معتقلي الرأي السياسيين والمعتقلين الموقوفين على خلفية الاحتجاجات السلمية،ووقف اعتقالات المعارضين الذين لم يتورطوا بحمل السلاح وبالتخريب، فهذه الخطوة تساعد في تنقية الأجواء المتوترة لدى آلاف الأسر في المدن والمجتمعات المحلية، وتُفشل مخططات إثارة الفتنة الطائفية، وتقدم البرهان والدليل على جدية السلطة في التعامل مع المعارضة الوطنية كفريق سياسي وطني، كما تساعد على حرمان المجموعات المسلحة التي ترتكب المجازر بحق العسكريين والمدنيين من التغطية السياسية، ومن أي دعم لوجستي أو معنوي، مما يسهِّل تطويق هذه المجموعات والسيطرة عليها، ويحبط في الوقت ذاته المحرضين على الاستقواء بالخارج الأمريكي – الأوربي.

الثاني إدراك القيادة السياسية، والمعارضة الوطنية بجميع أطيافها، خطورة المرحلة الاستثنائية التي تواجه بلادنا، وأهمية الخروج من هذه الأزمة بانتصار الشعب السوري برمته، بأحزابه الوطنية ومكونات مجتمعه المتعدد المتآلف بموالاته ومعارضته. فما سببته الشهور التي عصفت ببلادنا تحتاج إلى جهود مضنية وصادقة لتدارك آثارها ومنعكساتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ويتطلب ذلك من القيادة السياسية إبداء المرونة في التعامل مع أطياف المعارضة الوطنية، كقوى سياسية تحمل مشروعاً قد لا يتَّفق بكل جوانبه مع مشروعها، ويتطلب في الوقت ذاته من المعارضة الوطنية التي خيبت بـ(لاءاتها) المعروفة، آمال أنصار التدخل الخارجي في شؤون بلادنا، والذهاب إلى الحوار الوطني، مرجّحة مصلحة الوطن على كل مصلحة أخرى.

أنظار المواطنين المسكونين بحب وطنهم.. القلقين على وحدته، المتضررين من مفاعيل أزمته، تتوجه إلى مؤتمر الحوار الوطني، وتأمل أن يكون، فعلاً لا قولاً، مؤتمراً لغد سورية الديمقراطي.. المتعدد.. المشرق!

النور 507 (2/11/2011)

 

العدد 1104 - 24/4/2024