نساء في ذاكرة النضال

لم يقتصر النضال الثوري وقيادة الحركات التحررية على الرجال فقط عبر التاريخ، فهو يزخر بأسماء نساء زينت أسماءهن وأفعالهن وأصواتهن التحركات والثورات التي قادت البشرية إلى الأفضل وكن أيقونات تعرضن للتعذيب أيضاً ورزحن داخل المعتقلات والسجون في سبيل القضايا المحقة والإنسانية.

نسوة صنعن التاريخ من كل البلدان في هذا العالم المليء بالقسوة والظلم والقهر والواجب إلقاء الضوء على نضالهن الحافل بالإنجازات والعبر.

واليوم في خضم الأحداث التي تعصف في الداخل الأمريكي نستذكر إحدى تلك الأيقونات الجميلة التي تظهر الجانب القبيح العنصري في تاريخ الولايات المتحدة، لكنها في المقلب الآخر تصور حالة النضال الرائع للنساء في معترك الحصول على الحريات والحقوق والوقوف في وجه الاستبداد والعنصرية.

أنجيلا دايفيس، النسوية السوداء المناهضة للرأسمالية والبطريركية والعنصرية والكاتبة الإنسانية والفيلسوفة وبنبذة مختصرة عن حياتها ونضالها، ولدت في ٢٦ كانون الأول عام ١٩٤٤ من أبوين شيوعيين بمنطقة بريمن غام ألاباما في الولايات المتحدة الأمريكية، المنطقة المعروفة بالعنصرية والتفرقة، وقد نشأت دايفس وسط الاحتجاج والمقاومة وصقلت هناك قناعاتها السياسية وتصوراتها الفلسفية.

 ساهمت وهي في سن ١٢ في مقاطعة الحافلات ذات التمييز العنصري، وانخرطت في الحزب الشيوعي وهي في سن ١٨ عشرة وأصبحت عضواً داخل منظمة (الفهود السود) سنة ١٩٦٧.

انجيلا دايفيس المناضلة الثورية من أجل المساواة بين السود والبيض ومن أجل القضاء على الرأسمالية وتحرر العمال ومناهضة كل أطياف العنصرية، وبسبب مواقفها المناهضة للرأسمالية والداعية الى وحدة الحركة الاجتماعية والسياسية ووحدة البيض والسود حوكمت بالإعدام لكن حملة عالمية واسعة فرضت إطلاق سراحها.

حصلت دايفس على منحة لمتابعة دراستها مما سمح لها بالتعرف على أبناء زعماء شيوعيين والانخراط داخل الشبيبة الشيوعية والالتقاء بمناضلين جزائريين وشبيبة اشتراكية ألمانية، وإغناء تجربتها وتطوير مسارها الفكري والفلسفي وتعتبر من أشد الداعمين لقضايا التحرر العالمية ومنها قضية فلسطين.

نالت دايفيس شهادة الدكتوراه سنة ١٩٦٨ وبدأت العمل كأستاذة جامعية بجامعة سان دييغو، وهي اليوم توقظ وعي المضطهدين بجامعة سانتا كروز لتشجيع الوعي النقدي مقابل الجاهز السائد. وما زالت دايفيس وهي في عقدها الثامن متمردة تناضل من أجل القضاء على عقوبة الإعدام وضد نظام العقوبات، وقد التحقت باللجنة العالمية لمساندة ضحايا فيتنام كما ساهمت في المسيرة النسائية المناهضة لترامب وكانت من بين المفكرات اللواتي أصدرن إعلان الإضراب العالمي في ٨ آذار عام ٢٠١٧.

حصلت على العديد من الجوائز، ومن ذلك جائزة لينين للسلام في الاتحاد السوفيتي، ودخلت في قاعة المشاهير الوطنية للمرأة. في عام ٢٠٢٠، تم إدراجها في قائمة (امرأة العام).

دعاها كاسترو إلى كوبا لتكتب قصة نضالها، فاستجابت وكان كتاب عن مذكراتها والذي كتبت فيه: (كان يجب إعداد هذا الكتاب لأن تركيز الاهتمام على تاريخي الشخصي قد يؤثر على الحركة التي قدمت للناس قضيتي في الدرجة الأولى، كما أنني لم أكن راغبة في تقديم حياتي كمغامرة شخصية وكأنما هناك إنسان (حقيقي) منفصل وبعيد عن الإنسان السياسي).

في مذكراتها صورة صادقة عن النضال الثوري المنظم في لحظة تاريخية معينة دون محو للأخطاء والإقصاء أو الشقاق بين رفاق النضال. مذكراتها تؤكد أن النضال والعمل الثوري ليس بالضرورة مثالياً ومتناغماً أو ذا نهج واحد، لكن ذلك لا يعني عدم جدواه. النقد، القطيعة، وتصحيح المسار، جميعها أدوات هامة لاستمرارية النضال وبالتالي لتفكيك البنى القمعية.

وقد حضرت عام ١٩٦١ مؤتمر الشباب والطلاب العالمي الثامن في كوبا والتقت بالعديد من الطلبة وأصبحت مؤيدة لفيدل كاسترو ولكوبا، وعادت إلى نيويورك عام ١٩٦٣، وهناك تم التحقيق معها من قبل مكتب الاستخبارات الفيدرالي بسبب مشاركتها في مؤتمر ترعاه منظمات وكيانيات شيوعية وقد اعتقلت وحوكمت في أحداث كثيرة وتمت تبرئتها من جميع التهم المنسوبة إليها.

ترشحت أنجيلا ديفيس لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة كمرشحة من الحزب الشيوعي الأمريكي في عامي ١٩٨٩ و١٩٨٤ مع زعيم الحزب الشيوعي جوس هول.

من بين أبرز أعمالها:

-إذا جاؤوا في الصباح، أصوات المقاومة.

-العنف ضد المرأة، التحدي المستمر للعنصرية.

-المرأة، والثقافة والسياسة.

-الموروثات، الأسود النسوية.

ومازالت أنجيلا تقدم الدعم حتى الآن لكل المظلومين في العالم وتناضل في سبيل القضايا المحقة وتحرير الإنسانية من لوثات الأنظمة المستبدة هذا النضال الذي جمع الجانب النظري – الأكاديمي والعمل الثوري على الأرض.

(إن الطريق الوحيد لتحرر الأمريكيين السود يمر بإسقاط كلي ونهائي للطبقة الرأسمالية المهيمنة على هذا البلد).

العدد 1104 - 24/4/2024