الحظر الأمريكي لن يوقف تقنية الصين

د. صياح عزام:

من الواضح أن ترامب (الرئيس الأمريكي المهزوم) كان مهووساً بفرض العقوبات على الدول المناهضة لسياسة الهيمنة الأمريكية على الدول والشعوب، فمن عقوبة إلى أخرى، وكانت العقوبة الأخيرة في هذا المسلسل العقابي ضد الصين إدراج عملاق صناعة الطائرات من دون طيار الصينية، وشركة الرقائق الإلكترونية ضمن القائمة الأمريكية التي صدرت مؤخراً والمسماة (القائمة السوداء)، لتصبح هذه الشركات وغيرها بمثابة ضحايا الاستغلال الأمريكي المتهور، ولكنها تعبر في الوقت نفسه عن محاولات يائسة لاحتواء التقنية الصينية والإضرار بها وبالعلاقات بين البلدين من قبل ترامب قبل أن يترك منصبه.

إلا أن هذا (التنمر) الأمريكي المقيت والحاقد لن يجني إلا الفشل الذريع، ولن يحقق أهدافه في كبح جماح الصين ووقف مساعيها الحثيثة والناجحة على طريق التقدم العلمي والتقني والاقتصادي.

ويُجمِع العديد من الباحثين والاقتصاديين والمراقبين السياسيين على أن هذه السياسة الخاصة بفرض العقوبات على الصين من قبل الإدارة الأمريكية ليست في صالح واشنطن في نهاية الأمر لعدة أسبابها منها:

– إن المجتمع الدولي سيشهد المزيد والمزيد من شركات التكنولوجيا الصينية الناجحة تبرعم وتزهر خلال السنوات والعقود القادمة، مع مواصلة الدولة الصينية عمليات الاستثمار في مجالات التعليم والتحويل والاختراع لدعم تطورها العلمي والتكنولوجي، فهل يمكن لواشنطن أن تحظرها جميعاً؟

– إن المناورات السياسية الأمريكية ضد الصين وغيرها ستؤدي إلى إعاقة كبيرة في التجارة الدولية التي تعاني أصلاً من صعوبات لا يستهان بها، وتالياً ستؤدي إلى إلحاق الأضرار الكبيرة بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في نهاية المطاف.

– إلى جانب ما تقدم فإن المنطق المريض لإدارة ترامب والذي هو مستعد لفعل أي شيء لإزاحة كل ما يعتبره تهديداً لتفوق بلاده التكنولوجي، غير مجد، بل يدل على فشل السياسيين والاقتصاديين المناهضين للصين في تصوراتهم، بمعنى أنهم غير مدركين أن هذا العصر هو عصر تعاون بين الدول وانفتاح بعضها على بعض، وليس عصر تنمّر واستفزاز وعقوبات ظالمة.

– إن التفكير الأمريكي لايزال تفكيراً استعمارياً واستغلالياً، إذ لم تتخلَّ عنه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وجاء الرئيس ترامب ليضيف إليه سياسات وممارسات ضيقة وعنصرية، من خلال الشعارات التي رفعها (أمريكا أولاً) و(أمريكا العظيمة) وما شابه ذلك من ادعاءات، علماً بأن هذا التفكير الاستعماري عفا عليه الزمن، وتالياً، يجب على الولايات المتحدة قبول حقيقة أن لكل دولة من دول العالم الحق في تطوير التكنولوجيا والتقنية.

– إن هذه الحرب الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية التي تشنها واشنطن على بكين، تخدم الصين على المدى المنظور والبعيد أيضاً، ذلك أنها كشفت الطبيعة العدوانية لهذه القوة العظمى ذات الأنانية المفرطة، وعززت في الوقت نفسه ثقة الصين بنفسها وعزمها على زيادة الابتكارات في مجالات التكنولوجيا وغيرها. وأكبر مثال على ذلك قيامها بصناعة (الرقائق الإلكترونية) التي أدرجتها واشنطن فيما تسمى (القائمة السوداء)، كما أشرنا في بداية الحديث.

– لا شك في أن معظم دول العالم وشعوبه على يقين كامل بأن الصين ومن خلال التجارب والاستثمارات والمشاريع التي تنفذها في عشرات الدول، بعيدة كل البعد عن الاستغلال وتحقيق الأرباح الباهظة ونهب خيرات ومقدرات الآخرين كما تفعل الولايات المتحدة والدول الأوربية الحليفة بها، وأنها تبدي الاستعداد للتعاون المتكافئ والمدروس مع الدول كافة حتى مع الولايات المتحدة نفسها على أساس تبادل المنفعة. هذه حقائق بات يعرفها العالم أجمع، ولكن إذا بقيت واشنطن متمسكة بعنادها وتنمرها، فإنها لن تكسب شيئاً، بل هذا ما يدفع الشعب الصيني والدولة الصينية إلى المزيد من شحذ الهمم والمضي قدماً على طريق جعل الصين أكثر إبداعاً وازدهاراً وتطوراً في شتى المجالات، فالعقوبات الأمريكية لم ولن توقف عجلة تقدمها وصعودها اللافت للنظر.

العدد 1104 - 24/4/2024