مؤرخ بلجيكي: في ظل أزمة كورونا.. الاشتراكية هي الحل!

يرى المؤرخ البلجيكي إيرك توسان* أن الاستجابة اللازمة لمواجهة جائحة كورونا تمثّل فرصة تاريخية للوصول إلى ثورة حقيقية تعمل على تغيير المجتمع جذرياً من حيث أسلوب حياته وطريقة ملكيته وإنتاجه.

وقال توسان، في مقابلة نشرتها صحيفة (لانتي كابتاليست) الفرنسية، يوم الثلاثاء الماضي: (لن تحدث هذه الثورة إلّا إذا بدأ ضحايا النظام الرأسمالي العالمي بتنظيم أنفسهم ولفظ أصحاب الثروات). مشيراً إلى أن (أصحاب الثروات حول العالم يشكلون 1% فقط من سكّان الأرض).

وحثّ توسان على ضرورة (خلق قوة ديمقراطية ذاتية الإدارة، نسوية، وتعتني بالبيئة، واشتراكية).

في معرض رد إيرك على سؤال: ماذا علينا أن نفعل الآن؟ قال: علينا العمل على تنفيذ برنامج واسع مناهض للرأسمالية، يتضمن البرنامج سلسلة من التدابير الأساسية مثل تعليق سداد الدين العام، وإلغاء الديون غير المشروعة سواء كانت عامة أو خاصة، وخلق خدمة عامة حقيقية للادخار والائتمان والتأمين تحت رقابة المواطن وإغلاق الأسواق المالية، وإنشاء خدمة صحية وطنية مجانية حقيقية، وتأميم شركات الأدوية الكبرى ومعامل البحوث دون تعويض وتحويلها إلى خدمات عامة تحت إشراف المواطنين).

إضافة إلى (تأميم شركات قطاع الطاقة لمواجهة الأزمة البيئية والعديد من التدابير الجذرية الأخرى بما في ذلك تدابير الطوارئ لتحسين مستويات المعيشة لغالبية الناس، ويجب علينا إلغاء اتفاقيات التجارة الحرة وإعادة توطين الإنتاج قدر الإمكان).

دول (العالم الثالث)

ويرى توسان أن دول (العالم الثالث) المثقلة بالديون ليست هي الضحية الوحيدة للأزمة، بل إن كل الشعوب في (جنوب الكرة الأرضية) ضحايا هذه الأزمة متعددة الأبعاد التي تعصف بالنظام الرأسمالي العالمي خاصة دول الجنوب تلك التي قوضت السياسات النيوليبرالية أنظمة الصحة العامة فيها خلال 40 عاماً الماضية).

وأضاف توسان (من شأن ذلك أن يزيد أعداد الضحايا) وتابع: (خلال السنوات السابقة وتحت ذريعة التقشف المالي لسداد ديونها العامة؛ فرضت الحكومات والمؤسسات متعددة الأطراف مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي سياسات أدت إلى تدهور أنظمة الصحة العامة في كل مكان حول العالم).

الاتحاد الأوربي

وفي سياق متصل، يرى توسان أن الاتحاد الأوربي ومؤسساته غير مستعدين لمواجهة جائحة كورونا، ويعلل ذلك بـ (ليس لدى رئيس المجلس الأوربي حتى فريق يضم من عشرة أطباء لإرسالهم إلى ايطاليا أو إسبانيا ولكن من ناحية أخرى فإن الاتحاد ينفق 420 مليون يورو على شرطة الحدود مفرطة التجهيز).

وتابع: (ليس لدى الاتحاد الأوربي مستشفيات ميدانية أو أجهزة تنفس اصطناعي أو حتى كمامات لمساعدة دوله، ولكن الاتحاد يمتلك طائرات دون طيار للتجسس على طالبي اللجوء في أوربا الذين يموت منهم مئات في البحر المتوسط كل عام).

وأضاف إن (ارسال كوبا لـ 50 طبيباً لمساعدة الشعب الإيطالي يرينا ضرورة إحياء الأممية بين الشعوب).

جائحة كورونا وأزمة البورصة العالمية

خلافاً لما تدعي الحكومات ووسائل الإعلام حول العالم أن فيروس كورونا كان السبب في أزمة البورصة العالمية، لتوسان رأي مختلف في ذلك إذ يرى أن (جميع مكونات الأزمة المالية كانت موجودة منذ عدة سنوات وأن فيروس كورونا كان مجرد الشرارة التي أشعلت أزمة البورصة وليس سببها).

ويتابع: (التقلبات في السوق المالية وصلت إلى الذروة منذ وقت طويل وكان لا بدّ من شرارة لإحداث انفجار ضخم، لكن لم نكن نعرف متى وكيف سيحدث، لكننا كنا متأكدين أنه سوف يحدث).

وأضاف شارحاً: (وقعت أول صدمة كبرى في سوق الأوراق المالية في كانون أول (ديسمبر) 2018 في وول ستريت، فتحت ضغوط كبيرة من بعض البنوك الخاصة الكبيرة في أمريكا وإدارة دونالد ترامب، خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة مما أدى لاندلاع موجة جديدة من ارتفاع أسعار الأسهم، واستمرت الشركات الكبرى في إعادة شراء أسهمها الخاصة لتضخيم العملية، ورفعت الشركات الخاصة الكبيرة مستويات ديونها وتعاقدت صناديق الاستثمار الكبرى على قروض لشراء شركات من جميع الأنواع بما في ذلك الصناعات التحويلية).

وتابع: (بعد ذلك، حصلت أزمة نقص السيولة في وول ستريت من أيلول (سبتمبر) وحتى كانون الأول (ديسمبر) 2019، مما أدى إلى قيام بنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بتدخلات ضخمة، فضخّ مئات المليارات من الدولارات لمنع الأسواق من الانهيار، وقام البنك المركزي الأوربي والبنوك الرئيسية في بعض الدول مثل بريطانيا واليابان والصين إلى تطبيق النوع نفسه من السياسات، فبشكل أو بآخر هم يتحملون مسئولية كبيرة في تقلبات السوق المالي).

مستقبل الإنتاج العالمي

فيما يتعلق بانعكاسات الجائحة على الإنتاج في المستقبل، يرى توسان (سيكون حجم الانخفاض في الإنتاج في الأشهر التي تلي آذار (مارس) 2020 غير مسبوق مقارنة بأزمات السبعين سنة الماضية).

ويشير إلى أن (أزمة الإنتاج بدأت بالفعل على نطاق واسع في عام 2019، لا سيما في صناعة السيارات خصوصاً مع انخفاض كبير في المبيعات في الصين والهند وألمانيا وبريطانيا وبلدان أخرى. فمن جهة أثّر الإفراط في الإنتاج على قطاع تصنيع المعدات والآلات في ألمانيا والتي تعتبر واحدة من الدول الرائدة في هذا المجال في العالم).

وتابع في هذا السياق قائلاً: (في الصين شهد النمو الصناعي تباطؤاً خطيراً، كان له عواقب وخيمة على البلدان التي تصدر للصين سواء التي تصدر المعدات أو السيارات أو حتى المواد الخام، وخلال النصف الثاني من عام 2019، بدأ الركود في الصناعات التحويلية في ألمانيا وإيطاليا واليابان وجنوب إفريقيا والأرجنتين والولايات المتحدة).

كورونا شرارة وليس سبباً

في الختام قال توسان: (إن جائحة كورونا كانت الشرارة، وأي حدث خطير آخر ربما كان سيؤدي إلى التأثير نفسه، مثل حرب طاحنة مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران أو تدخل عسكري أمريكي في فنزويلا، في هذه السيناريوهات سيكون للحرب التأثير نفسه كما لجائحة كورونا على الأسواق المالية، لذلك وعلى الرغم من وجود صلة لا يمكن إنكارها بين أزمة سوق الأوراق المالية ووباء كورونا، ولكن لا ينبغي علينا أن نصدق التفسيرات السطحية التي تلوم الفيروس وتقول إنه السبب).

*إيريك توسان مؤرخ بلجيكي ودكتور في العلوم السياسية من جامعات لياج وباريس، وهو رئيس فرع لجنة إلغاء الديون على بلدان العالم الثالث في بلجيكا، وعضو المجلس الدولي للمنتدى الاجتماعي العالمي واللجنة الرئاسية لمراجعة المديونية CAIC في الإكوادور.

العدد 1104 - 24/4/2024